مذهب الإمام الزمخشري في النَّسْخ

تعرَّض الإمام الزمخشري في ثنايا تفسيره لقضية الناسخ والمنسوخ، وكانت له عدّة آراء في موضوع النَّسْخ ظهرتْ من خلال تطبيقاته في تفسيره، وهذه المقالة تحاول أن تستعرِض رأي الزمخشري في موضوع النَّسْخ وتُحرِّر مذهبه فيه.

التوطئة:

  مبحث الناسخ والمنسوخ من أخطر مباحثِ علوم القرآن وأهمّها وأجلّها وأعلاها مَرتبة، وهو بلا مبالغة من أكثر المواضيع تشعّبًا في الشريعة؛ حيث إنّ خيوطه تتشابك مع كافّة العلوم الشرعيّة والدراسات الإسلامية، فلا غرو أن تجده حاضرًا وبقوّة في معظم مصنّفات عِلْمَي التفسير والأصول، ناهيك عن كتب الفقه والحديث والمقاصد والتشريع.

نقل ابن عبد البر عن يحيى بن أكثم (ت: 857هـ) قوله: «ليس من العلوم كلّها علم هو أوجب على العلماء والمتعلِّمين وكافة المسلمين من علم ناسخ القرآن ومنسوخه؛ لأنّ الأخذ بناسخه واجبٌ فرضًا، والعلم به لازمٌ ديانةً، والمنسوخ لا يُعمل به ولا يُنتهى إليه، فالواجب على كلّ عالم علم ذلك»[1].

لقد حظي علم الناسخ والمنسوخ بعناية فائقة ودراسات مستفيضة من قِبَل جَمْعٍ غفير من العلماء والمفسِّرين؛ فمنهم مَنْ أفرده بالتأليف، ومنهم مَنْ أورده في كتابه ضمن مواضيع أخرى من علوم القرآن وأصول الفقه. وأمّا المفسِّرون فقد كانوا حريصين أيّما حرص على ذِكْر القائل بالنَّسْخ عند كلّ آيةٍ قيل فيها بالنَّسْخ، وسبب ذلك، وهل نَسْخُها ثابت أم لا. وفي ثنايا تفاسيرهم يتطرّقون إلى تعريف النَّسْخ وأنواعه وشروطه والحِكْمة من النَّسْخ حسب المناسبة والحاجة، ومن هؤلاء المفسِّرين أبو القاسم محمود بن عمر الخوارزمي الزمخشري (ت: 528هـ)، الذي يُعَدّ بحقٍّ -رغم إشكال أنه كان من أهل الاعتزال- من أهم العقول الـمُسْلِمة في القرن السادس الهجري، وعَلَمًا مبرزًا يُحتذى به في حُسْنِ التفكير وإبداع التجديد وجودة النقد.

وفي هذه المقالة نستعرِض آراء الزمخشري في موضوع النَّسْخ ونُحرِّر مذهبه فيه، لا سيما وأنّ هذه القضية من القضايا التي لم تتوجّه لها حركة البحث حول الزمخشري كما سنشير، وذلك بعد تمهيد نسلِّط فيه الضوء إجمالًا على النَّسْخ عند الزمخشري وإطار تحريرنا لمذهبه فيه.

تمهيد:

يُعَدّ (تفسير الكشاف) من التفاسير التي تعاطتْ بحذر مع قضية النَّسْخ، وسلَك الزمخشري فيه مسلك التوسّط والاعتدال محاولًا تجنّب المغالاة والإفراط في ذِكْر دعاوى النَّسْخ، كما هي عادة كثير من المتقدّمين الذين أسرفوا وتساهلوا في ذِكْر الآيات الناسخة والمنسوخة في القرآن الكريم، حتى أوصلها بعضُهم إلى أكثر من مئتين وثمانين دعوى[2]، وقد أحصى الباحثُ عددَ دعاوى النَّسْخ التي أوردها الزمخشري فلم تبلغ أربعين موضعًا.

وفي الجهة المقابلة نجد أنَّ الزمخشري لم يتّجه إلى أقصى اليسار، ولم يرتضِ منهج التفريط الذي شاع مؤخّرًا عند بعض علماء الإسلام المعاصرين[3]، ولم يتابع القول القديم الشاذّ لمحمد بن بحر (ت: 322هـ) المشهور بأبي مسلم الأصفهاني، أحد كبار أئمة المعتزلة في التفسير، في نفيه لوقوع النَّسْخ في القرآن الكريم، بل ضرب عن قوله صفحًا، ولم يُلْقِ إلى رأيه بالًا، رغم أنَّ أبا مسلم متقدّم على الزمخشري وأقرب زمنيًّا إلى القرون الزاكية الثلاثة الأولى التي أطبقتْ كلمتها على إثبات النَّسْخ ووقوعه في القرآن الكريم، وهما مع هذا ينتميان إلى المذهب العقدي العدلي نفسه، وينتسبان إلى المدرسة الفقهية الحنفية ذاتها.

إنَّ ورود الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم قضية مسلّمة عند الزمخشري ومحسوم أمرها، وهي واقعٌ لا يمكن إنكاره ولا يجدي تجاهله، بل إنَّ نكران النَّسْخ عنده من الصفات الذميمة التي عُرف بها اليهود، وما جحده مَن جحده من أتباع الأمة المحمدية إلّا اتّباعًا لسنن مَن قبلنا حاشا المخلِصين الذين يبحثون عن الحقيقة وإن لم يصلوا إليها، ذلك أن نُكران النَّسْخ عنده عقيدة فاسدة من عقائد اليهود المستنكرة الضالة؛ إِذْ كانوا يقولون -وعهدة النقل على الزمخشري-: «ألَا ترون إلى محمدٍ يأمر أصحابه بأمر ثم ينهاهم عنه ويأمرهم بخلافه، ويقول اليوم قولًا ويرجع عنه غدًا»[4].

ثلاث آيات من كتاب الله العظيم تدلّ ظواهرها على وقوع النَّسْخ في القرآن الكريم عند الزمخشري: فآية البقرة: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا}[البقرة: 106]، وآية النحل: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ}[النحل: 101]، تدلّان صراحة على وقوع النَّسْخ، أمّا آية الرعد: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ}[الرعد: 39]، فدلالتها عنده على النَّسْخ ظنية، لكنه ظنّ قوي، واحتمال وارد، ورأي معتبر، له حظّه من النَّظَر.

لقد أعمل الزمخشريُّ فكرَه في بعض دعاوى النَّسْخ وناقشها نقاشًا عِلْمِيًّا متينًا يستحقّ الدراسة والبحث، ولم يكن مقلِّدًا لآراء المعتزلة أو تابعًا لقول السادة الأحناف الذي يعتزّ كثيرًا بالانتساب إلى مذهبهم، فقد خالف آراءَهم في بعض قضايا النَّسْخ، كما سنشير إلى ذلك لاحقًا بإذن الله تعالى.

ورغم نَفَاسة أقوال الزمخشري في الناسخ والمنسوخ، وحُسْن تعامله عمومًا في تناول القضية، وتأمّله البديع في آيتَي النَّسْخ في سورتي البقرة والنحل الذي لم يُسبق إليه على حَدِّ عِلْمِ الباحث، وكذلك دراسته الجيّدة للسياق الذي يكتنفهما؛ إلا أنَّ الباحث لم يعثر على دراسةٍ مستقلّة تناولَت النسخ عند الإمام الزمخشري، وهذا ما اجتهد الكاتب في القيام به محاوِلًا رسم الخطوط العريضة والأُطر العامة، تاركًا التفاصيل الدقيقة والنَّفَس الطويل للدراسات والبحوث العلمية التي من طابعها التفصيل والإطالة.

ولا يخفى على الباحث في الدراسات القرآنية أنّ للنَّسْخ تعريفاتٍ كثيرةً تباينتْ فيها آراء العلماء، وشروطًا متعدّدة: منها المتَّفَق عليه ومنها المختلَف فيه، وتقسيمات اختلفت فيها نظرات الدارِسين، وتأويلات للآيات الوارد فيها النَّسْخ، وتفسيرات لم تتفق -في كثير من الأحيان- كلمة المفَسِّرين على وقوع النَّسْخ فيها من عدمه[5]، كما تجد ذلك جليًّا عند مطالعتك في مصنّفات علوم القرآن ودراستك لكتب التفسير والأصول، ونحن في هذه المقالة سنستعرض حصرًا آراء الزمخشري في موضوع النَّسْخ من خلال أهم كتبه، ومن خلال تبيان مساحة الاتفاق والاختلاف مع المستقِر لدى علماء الإسلام المتقدِّمين منهم والمتأخِّرين، حيث سيحاول الباحث في هذه المقالة المختصرة بيان مذهب الزمخشري في قضية النَّسْخ من خلال تتبّع دعاوى النَّسْخ التي أوردها في كتابه الذّائع الصيت الذي ملأ الدنيا وشغل الناس، المعروف بـتفسير: (الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل)؛ جامعًا ومرتبًا لما تفرّق، ومقارنًا أقوال الزمخشري مع كبار المفسِّرين والأصوليّين، وناقدًا ومحلّلًا تارة، وشارحًا ومبيّنًا ما يحتاج إلى تبيان تارة أخرى.

وقبل الشروع في لُبّ المقالة لا بدّ من التأكيد على أنّ الكاتب لا يعني مما سبق أنَّ آراء الزمخشري في النَّسْخ ونظراته في مسائلها مكتملةٌ وخالية من أيّ خطأ أو زَلَل، بل لا شَكّ في وجود هنات وثغرات منهجية، ربما تنال من قداسة القرآن أحيانًا، وهي دعوة إلى الدّارِسِين والباحثين أن يستنهضوا الهِمَم لتصحيح ما خالف الحقّ وجانَبَ الصواب في قضية النَّسْخ سواء أكان ذلك في كتاب (الكشاف) أو غيره من كتب التفسير؛ نُصْرَةً للإسلام ودفاعًا عن القرآن ودحضًا للشبهات حتى تظلّ راية الإسلام خفاقة عالية.

النَّسْخ لغة:

عرّف الزمخشري النَّسْخ لغةً بقوله: «نسختُ كتابي من كتاب فلان وانتسخته واستنسخته بمعنى، ويكون الاستنساخ بمعنى الاستكتاب؛ {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}[الجاثية: 29]»[6].

وهنا نلاحظ أنّ الزمخشري يميل إلى أنّ النَّسْخ بمعنى مُطلق الكتابة سواء أكانت مكتوبة على مثال مكتوب قبله أو على غير مثال، وهو ظاهر كلامه في (الكشاف)، وفي الجهة المقابلة نجد صاحب (العين)، وصاحب (اللسان)، وصاحب (القاموس)؛ ينصُّون كلّهم جميعًا على أنّ نَقل الكتابة لا يسمى نَسْخًا إلا إذا كان على مثال كتابة سابقة، وإليه جنح ابن عاشور ومال قلبه إليه في (التحرير والتنوير)[7].

ثم يسوق الزمخشري تراكيب وعبارات توضح المعاني المختلفة لمدلول النَّسْخ في لسان العرب، وهي: نسخةٌ عتيقة، ما نسخه وإنما مسخه، نَسَخَت الشمسُ الظلَّ والشيبُ الشبابَ، ونُسِخَت الآية بالأخرى.

ومن خلال هذه الأمثلة يشير الزمخشري إلى معنيَيْن رئيسَيْن للنَّسْخ في كلام العرب، وهما: النقل المماثل لما هو في الأصل «نسخة عتيقة»، وإزالة الشيء بشيء آخر «نسخت الشمسُ الظلَّ، والشيبُ الشبابَ».

ونستطيع أن نستنتج من عبارة: «ما نسخه وإنما مسخه»، أنّ الزمخشري يرى عدم جواز استخدام النَّسْخ بمعنى المسخ، فهما -حسب رأيه- لفظتان متباينتان في المعنى، ولا يصحّ استبدال إحداهما مكان الأخرى، مخالفًا الرأي المنسوب للفرّاء وأبي سعيد عندما قالَا: «مسخه اللهُ قردًا ونَسَخَه قردًا بمعنى واحد»[8].

ولا يفوت الزمخشري أن يُدْلِي برأيه في مسألة لغوية طالما اعتركتْ فيها الأفهام واختلفت فيها الآراء، ألا وهي المعنى الحقيقي لكلمة النَّسْخ عند العرب، فالزمخشري يرجّحُ أن النقل والإثبات هو المعنى الحقيقي للنَّسْخ، أمّا معنى التبديل والتغيير والإزالة فهي معانٍ مجازية؛ موافقًا رأي القفال (ت: 356هـ) من أصحاب الشافعي، ومخالفًا جمهور الأصوليّين من أمثال أبي حامد الغزالي (ت: 505هـ)، والآمدي (ت: 631هـ)، والرازي (ت: 604هـ)، وغيرهم من أساطين العلماء وجهابذة علم الأصول، فقال -رحمه الله وغفر له-: «ومن المجاز: نسخت الشمسُ الظلَّ، والشيبُ الشبابَ»[9].

وقد اعترض عليه من المعاصرين العلّامة مصطفى زيد، فقال: الزمخشري صرّح -في أساس البلاغة- أنّ النَّسْخ حقيقة في النقل مجاز في الإزالة، ولعلّه لم يتسنَّ له الاطلاع على أصله في العربية، ولم يلحظ أنّ الإزالة هي المعنى الذي تشترك في أدائه مجموعة من الكلمات التي تلتقي مع النَّسْخ في أصله الأم في العربية، ولعلّه لم يقف طويلًا عند المواد التي عبّر بها القرآن عنه في الآيات الثلاث التي قرّر فيها جوازه»[10].

النَّسْخ اصطلاحًا:

عَرّف الزمخشري النَّسْخ عند تفسيره الآية الكريمة: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا}[البقرة: 106]، بقوله: «نسخ الآية: إزالتها بإبدال أخرى مكانها»، وذكر تعريفًا آخر قريبًا من التعريف الأول عند تفسيره آية النحل: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ}[النحل: 101]، فعرّف النَّسْخ هاهنا بقوله: «النَّسْخ هو تبديل آية مكان آية».

ونلحظ عليه أنه اكتفى بتعريف النَّسْخ الواقع على آيات الذِّكْر الحكيم، ولم يتطرّق إلى تعريف النَّسْخ بمعناه الشامل الذي يشمل نَسْخ الشرائع ونَسْخ السُّنّة للقرآن ونَسْخ القرآن للسُّنّة ونَسْخ السُّنّة للسُّنّة، كما أنه ذكر التعريف باختصار بلا توسّع في ذِكْر الخلافات، ومن غير إطالة في شرح مدلولات التعريف، ومن غير ذِكْر لمحترزات التعريف، ولم يُتْعِب القارئ بإيراد الإضافات التي يتطرّق إليها علماء الأصول في مصنفاتهم.

الفرق بين النَّسْخ والإنساء:

 يفرّق الزمخشري بين النَّسْخ والإنساء باشتراط البدل في النَّسْخ موافقًا بذلك الإمام الشافعي وبعض الفقهاء وجماهير المعتزلة، وهو الذي رجّحه مصطفى زيد[11]، ومعناه أن الحُكْم الأول -أي المنسوخ- لا بد أن يحلّ محلّه حكم شرعي آخر وهو النّاسخ، فقال المفسِّر -رحمه الله-: «نسؤها تأخيرها وذهابها لا إلى بدل».

ولا أدري البرهان الذي يستند إليه في هذا التفريق؛ ذلك أنّ ظاهر آية سورة البقرة يشير إلى أنَّ البدل ليس للنَّسْخ فحسب وإنما هو للإنساء أيضًا، والعلم عند الله تعالى.

الحِكَم من مشروعية النَّسْخ:

إنَّ للنَّسْخ حِكَمًا وأسرارًا يدركها أصحاب العقول الذكية والقلوب المستنيرة، وأمّا خفاف الأحلام وسفهاء العقول المتَّبِعون لأهوائهم من اليهود والمنافقين ومَن شايعهم فإنهم عميٌ عن إبصار أنوار علم الناسخ والمنسوخ جاهلون بحِكَمِه وأسراره، كما أشار إلى ذلك الزمخشري عند تفسيره قول الله تبارك وتعالى: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا}[البقرة: 142].

ألَا يعلم أولئك السفهاءُ حقيقةَ القرآن وفائدةَ النَّسْخ والتبديل، وأنّ الله تعالى إنما ينسخ الشرائع بالشرائع والأحكام بالأحكام لأنها مصالح، وما كان مصلحة أمس يجوز أن يكون مفسدة اليوم وخلافه مصلحة. والله تعالى عالم بالمصالح والمفاسد، فيثبت ما يشاء وينسخ ما يشاء بحكمته، وهذا معنى قوله تعالى: {...وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ}[النحل: 101]، كما جاء في كتاب (الكشاف)[12].

إنَّ وقوع النَّسْخ في القرآن الكريم مظهَرٌ من مظاهر القدرة الإلهية المطلقة التي لا يحدُّها شيء، فهو -سبحانه- يقدر على الخير، وما هو خيرٌ منه، وعلى مثله من الخير؛ ولذلك ختمتْ آية النسخ في سورة البقرة بقوله تعالى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[البقرة: 106]، على حسب رأي الإمام الزمخشري[13].

ثم أتبع اللهُ مباشرةً الآيةَ وأردفها بقوله: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ}[البقرة: 107]، فالله العظيم الذي يملك السماوات والأرض، هو أيضًا يملك أمورنا ويدبّرها ويجريها على حسب مصالح العباد، وهو أعلم بما يتعبّدنا به من ناسخ ومنسوخ[14]، فكأنَّ مَن قدحَ في النَّسْخ فقد قدح في مُلْك الله وقدرته المطلقة.

ثم جاءت وصية الله لعباده المؤمنين بالثّقة في أفعال الله والتسليم المطلق لأفعاله فهو ينسخ ما يشاء ويثبت ما يشاء، فذلك أصلح لهم وأنفع، وأنْ لا يقترحوا على رسولهم ما اقترحه آباء اليهود على موسى من الأشياء التي كانت عاقبتها وبالًا عليهم، وقد استخرج الإمام الزمخشري هذه المعاني من قوله تعالى: {أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ}[البقرة: 108]، متّخذًا من السياق القرآني وسيلة لتدبّره واستنتاجاته.

 لعلّك تشاطرني الرأي -عزيزي القارئ- أنَّ الزمخشري حاول الغوصَ في أعماق آية النَّسْخ والآيات التي أعقبتها لالتقاط الدرّ المنثور المنبثق من أنوارها الساطعة ليتسنّى له تبيان غزارة المعاني وشدّة ترابطها من خلال تدبّره للسياق القرآني، لكنه اقتصر على الآيات التي بعد آية النَّسْخ في سورة البقرة من غير ذِكْر ولا تفكّر في سياق الآيات السابقة للآية الكريمة.

ولا يفوت الزمخشري وهو اللغوي البارع الذي امتلأتْ قِربته من محاسن الأدب أن ينثر لطائفه البيانية من خلال تأمّله لاستخدام صيغة المضارعة للفعل (نزل) في الآية الكريمة: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}[النحل: 101]، واستخدام عقله في سبب استخدام القرآن صيغة المبالغة (فعَّل) (نزَّل) بدل فعَل (نزَل) في قوله تعالى: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}[النحل: 102]، فقال -رحمه الله- قولًا بديعًا جميلًا:

«في {يُنَزِّلُ} و{نَزَّلَهُ} وما فيهما من التنزيل شيئًا فشيئًا على حسب الحوادث والمصالح؛ إشارة إلى أن التبديل من باب المصالح كالتنزيل، وأنَّ ترك النَّسْخ بمنزلة إنزاله دفعة واحدة في خروجه عن الحكمة»[15].

ثم تابع تفسيره -رحمه الله- لآية النحل حتى جاء عند لفظة {بِالْحَقِّ} فقال: «أي: أنزله ملتبسًا بالحكمة، يعني أنّ النَّسْخ من جملة الحقّ؛ {لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا} ليبلوهم بالنَّسْخ، حتى إذا قالوا فيه: هو الحقّ من ربنا والحكمة، حكم لهم بثبات القَدَم وصحّة اليقين وطمأنينة القلوب، على أنّ الله حكيم لا يفعل إلّا ما هو حكمة وصواب، {وَهُدًى وَبُشْرَى} تثبيتًا لهم وهدى وبشارة، وفيه تعريض بحصول أضداد هذه الخصال لغيرهم»[16].

وكلامه هذا في غاية النفاسة والدقّة ولا غرو، فقد قال العلّامة الطّيبي في حاشيته على الكشاف معلّقًا على هذه الكلمات: ما أحسن هذا البيان! لله دره[17]. ونستنتج من حديثه أمرين اثنين:

أولهما: إنَّ الذين ينفون وقوع النَّسْخ ويجحدونه لم يدركوا الحكمة من النَّسْخ، وبذلك زلّت أقدامهم وخسروا السباق وفشلوا في اجتياز الاختبار بسبب ضعف يقينهم ومرض قلوبهم.

ومن خلال مجموع كلام الزمخشري نستطيع أن نستخلص أنَّ آيات الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم حالها عنده كحال الآيات المتشابهات في وجوب الإيمان بها، وأنها الحقّ من ربنا، وإن لم نقف على حقيقة المراد من النَّسْخ والحكمة المتوخّاة من تشريعٍ كهذا. وبهذا يتبيّن لنا أنّ في النسخ تربية إيمانية على الانقياد والتسليم لما جاء عن الله ورسوله، فحين تضعف بعضُ النفوس أمام بعث الشبهات التي ينكر بها اليهود وأمثالهم النَّسْخ، يصمد المؤمنون فلا تؤثِّر فيهم ولا تغيّر مواقفهم تجاه ما وصلهم من ربهم انقيادًا وتسليمًا[18].

ثانيهما: لم يُشِر الزمخشري لا من قريب ولا من بعيد إلى قول بعض المتأخِّرين الذين يفسِّرون آية النَّسْخ الواردة في سورة البقرة وأيضًا سورة النحل بأنها الآيات الكونية المتمثّلة في المعجزات المادية التي أيّد اللهُ بها رسولَه محمدًا وغيره من إخوانه المرسَلِين عليهم وعلى نبينا العظيم أفضل صلاة وأزكى تسليم، رغم حرصه الشديد على نقل الأقوال وذِكْر الاحتمالات الواردة في التفسير.

رجّح الإمام الزمخشري أنّ الآية الكريمة: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ}[البقرة: 144]، ناسخة لما جاء من استقبال بيت المقدس قبله، معتمدًا أنّ منسوخها من السُّنّة المطهّرة، وقد أكّد الزمخشري ورود النَّسْخ في هذه الآية الكريمة بذِكْر التكرار في آيات الأمر بالتوجه إلى المسجد الحرام، وذلك عند تفسيره لقوله تعالى: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ}[البقرة: 150]، فقال: «النَّسْخ من مظانّ الفتنة والشبهة وتسويل الشيطان والحاجة إلى التفصلة بينه وبين البداء، فكرّر عليهم ليثبتوا ويعزموا ويجدّوا»[19].

إنَّ غبش التصوّر وفساد العقيدة يرجع في كثير من الأحيان إلى اختلاط المفاهيم وتشابك المصطلحات، وهذا ما أدركه الزمخشري بفطنته المعهودة؛ حيث وجد أنّ كثيرًا ممن أنكروا النَّسْخ وجحدوا وجوده إنما اختلط في أذهانهم بمفهوم آخر مختلف يُطْلَق عليه البداء. وإليك أهم الفروق بينهما على سبيل الإجمال ملخّصًا لكلام مصطفى زيد في كتابه: (النسخ في القرآن الكريم):

البداء في اللغة يأتي بمعنَيَيْن؛ أولهما: الظهور بعد الخفاء. وثانيهما: نشأة رأي جديد لم يكن. وكِلَا المعنيَيْن يستلزم سَبْق الجهل وحدوث العِلْم، وكلاهما مُحَال على الله.

من أجل هذا، تنزّه الله عن البداء؛ لأن البداء ينافي إحاطة علم الله بكلّ شيء. ولم يتنزّه عن النَّسْخ؛ لأنّ النَّسْخ لا يعدو أن يكون بيانًا لمدة الحكم الأول، على نحو ما سبق في علم الله، وإن كان رفعًا لهذا الحكم بالنسبة لنا.

فَرْقٌ كبيرٌ بين ما يقوم عليه البداء من تغيير في العلم، وما يقوم عليه النَّسْخ من تغيّر في المعلوم مع ثبات العلم نفسه على ما كان منذ الأزل[20].

أقسام النَّسْخ، وأنواعه:

تطرّق الزمخشري إلى أنواع النَّسْخ عند تفسيره قول الله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا}[البقرة: 106]، فقال: «كلّ آية يذهب بها على ما توجبه المصلحة من إزالة لفظها وحُكْمِها معًا، أو من إزالة أحدهما إلى بدل أو غير بدل»[21]. ورأيه موافق مع القول المشهور عند أهل العلم حتى حكى بعضهم الإجماع عليه، فقد ذكر الآمدي الإجماع على تلك الأقسام من النَّسْخ إلا ما شَذّ من بعض المعتزلة[22]، وهذه الأقسام ثلاثة هي:

- إزالة اللفظ والحُكْم معًا.

- إزالة الحُكْم مع بقاء اللفظ.

- إزالة اللفظ مع بقاء الحُكْم.

ومن خلال تتبّعنا لدعاوى النَّسْخ في تفسير (الكشاف) وجدنا أنَّ أغلبها يندرج تحت نوع نسخ الحكم مع بقاء التلاوة، ولم يذكر الزمخشريُّ إلّا مثالًا واحدًا في ثنايا تفسيره لنَسْخِ الحُكْم والتلاوة معًا[23]، أمّا نَسْخ التلاوة وبقاء الحكم فإنّ الباحث لم يَعْثر له على أثر في كتاب (الكشاف).

وهنا نلاحظ جليًّا النشاز وعدم التوافق بين الجانب النظري وبين التطبيقات التي يتطرّق إليها المفسِّر؛ مما يجعلنا نتساءل عن الأسباب التي أدّت إلى تشكّل هذه الظاهرة في كتاب (الكشاف)، وهل هي حالة خاصّة بتفسير (الكشاف) أم أنها حالة مشتركة مع مصنّفات أخرى في التفسير؟

شروط النَّسْخ عند الإمام الزمخشري:

تعامَلَ الزمخشريُّ مع كثيرٍ من دعاوى النَّسْخ في القرآن الكريم بعدم التسليم، وكثيرًا ما كان يذكر الاحتمالات الأُخَر التي تنصّ على إحكام الآية وثبوت حُكْمها، بل إنه في حالات -وإن كانت قليلة- نَصّ صراحة على بطلان القول بالنَّسْخ وضعفه وتهافته.

ومن خلال تتبّع الباحث لمواضع النَّسْخ المبثوثة على صفحات (الكشّاف) لاحظ أنَّ الآيات التي ذكر الزمخشري نَسْخَها من غير ذِكْرٍ لاحتمالات أخرى قليلةٌ جدًّا مقارنة مع الآيات التي أشار إلى احتمال نَسْخِها وعدم نَسْخِها، مع تأكيدنا على ترجيح المفسِّر قول النَّسْخ -أحيانًا نادرة- والانتصار له وحشد ما استطاع من أدلّة وبراهين.

وكأنَّ الزمخشري من خلال منهجيته تلك يحثّ القارئ ويلهم طالب العلم أن يكون حصيفًا ومتريّثًا قبل الحُكْم بنَسْخ أيّ آية من آيات الكتاب العزيز؛ ذلك أنَّ الأصل في جميع آيات الكتاب الحكيم هو الإحكام، أمّا النسخُ فلا يُصَار إليه إلا ببرهان قاطع ويقين واضح، فلا مجال للظنّ والخرص، ولسان حاله مقولة الإمام الظاهري محمد بن حزم الأندلسي (ت: 456هـ): «لا يحلّ لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقول في شيء من القرآن والسُّنَّة: هذا منسوخ، إلا بيقين... فمن قال في شيء من ذلك: إنه منسوخ، فقد وجب ألا يُطاع ذلك الأمر، وأسقط لزوم اتّباعه، وهذه معصية لله مجرّدة وخلاف مكشوف إلا أن يقوم برهان على صحّة قوله»[24].

إنّ ذِكْرَ الزمخشري للأقوال المعتبرة والاحتمالات الواردة لعدمِ ثبوتِ النَّسْخ في كثيرٍ من الآيات يسهّل للدارسين إبطالَ كثيرٍ من دعاوى النَّسْخ؛ نظرًا للقاعدة الأصولية التي تنصّ على أن «التعارض بين نصّيْن -في موضوع واحد- أساسٌ لا بد منه لقبول دعوى النَّسْخ». فإذا استطعنا أن نُعْمِل الآيتين معًا فهذا هو الواجب الذي لا يعدل عنه.

لقد قام الزمخشري بتطبيقٍ عمليّ لمقولة الإمام الشاطبي (ت: 790هـ) رغم تقدّم الزمخشري عليه بأكثر من قرنَيْن من الزمن عندما قال في (الموافقات): «غالب ما ادُّعِي فيه النَّسْخ إذا تُؤمِّل وُجِدَ متنازَعًا فيه ومحتمَلًا قريبًا من التأويل بالجمع بين الدليلَيْن على وجهٍ من كون الثاني بيانًا لمجمل أو تخصيصًا لعموم...»[25].

وقد تقدّم آنفًا أنَّ الزمخشري لم يبالغ في ذِكْر دعاوى النَّسْخ كما هي عادةُ كثيرٍ من المتقدّمين، وذلك عائدٌ -فيما يبدو للباحث- إلى كونه وضع نصب عينيه مبحث شروط النَّسْخ فأخرج بذلك كثيرًا من دعاوى النَّسْخ؛ بل ولم يتطرّق إليها أصلًا؛ ذلك أن معرفة الشروط تُعِين الباحث على تمييز النَّسْخ عن سائر أنواع من البيان، فهو كالسّياج الذي يُعِينُ على تحديد معالم المفهوم وكالإطار الذي يُعِين على رَسْم خصائص الموضوع، علمًا أنّ شروط النَّسْخ منها ما اتفقت عليه كلمةُ العلماء ومنها ما اختلفت فيه آراؤهم؛ فالشروط المتّفق عليها هي الآتي:

أ- التعارض الحقيقي بين الناسخ والمنسوخ.

ب- النَّسْخ يقع في الجزئيات والأحكام العمليّة لا في الكليات الشرعية والأخبار والعقائد.

ج- الزّمن الذي يَسُوغ فيه النَّسْخ هو عصر الرسالة.

د- الله وحده يملك سُلْطة التشريع، وبالتالي هو وحده سبحانه الذي له الحقّ في نَسْخ ما كان قد شرَعه؛ عليه، فالنسخ لا يكون بالقياس ولا بالاجتهاد العقلي.

هـ- الناسخ يجب أن يكون في قوّة المنسوخ أو أقوى.

لقد أجمع المحقِّقون من أهل العلم على أنَّ خبر الواحد لا يَنْسَخ القرآن ولا الخبر المتواتر؛ لأنه رفع للمقطوع به بالمظنون به[26]؛ ولذلك فقد اتفق العلماءُ على جواز نَسْخ القرآن بالقرآن، والسنّة المتواترة بالسنّة المتواترة، والسنّة الآحادية بالسنّة الآحادية؛ وحكي الخلاف فيما سوى ذلك.

تتفرّع من هذا الشّرط عدّة مسائل؛ منها مسألة مهمّة اختلف فيها العلماء قديمًا وما زال إلى يوم الناس، وهي: هل تَنْسَخ السنّةُ القرآنَ؟ فذهب الإمام الشافعي والإمام الثوري والإمام أحمد في أحد قولَيْه إلى مَنْع نَسْخ القرآن بالخبر المتواتر. وذهب الإمام مالك والإمام أبو حنيفة إلى جواز نَسْخ القرآن بالسنّة المتواترة، وهذا القول هو المعتمد عند الزمخشري، وقد نصّ عليه بقوله: «السُّنّة المكشوفة المتواترة مثل القرآن في إيجاب العلم، فنسخه بها كنسخه بمثله، وأمّا الإجماع والقياس والسُّنّة غير المقطوع بها فلا يصحّ نَسْخ القرآن بها»[27]، بل إنّ الزمخشري ذهب أبعد من ذلك عندما ذكر أنَّ الحديث الآحاد إذا رواه الثقات والأمناء وتلقته الأمة بالقبول يُلحق بالمتواتر في جواز نَسْخه لآيات الكتاب العزيز.

مثاله حديث: (إنّ الله قد أعطى كلَّ ذي حقّ حقَّه فلا وصية لوارث)[28]، فهو لم يبلغ حَدّ التواتر عند الزمخشري لكنه لا مانع عنده أن يكون ناسخًا لحُكْم آية الوصية في سورة البقرة؛ نظرًا لأنه حديث مشهور تلقّته الأمة بالقبول.

أمّا الشروط المختلف عليها فهي:

أ- البدل:

مجموع كلام جار الله الزمخشري عند تفسيره آية النَّسْخ في سورة البقرة يدلّ على أنَّ البدلَ شرطٌ أساس لقبول دعوى النَّسْخ، فالحكم الأول -أي المنسوخ- لا بد أن يحلّ محلّه حكم شرعي آخر وهو النّاسخ، موافقًا بذلك الإمام الشافعي، وبعض الفقهاء، وجماهير المعتزلة، وهو الرأي المعتمد عند الأستاذ مصطفى زيد في كتابه: (النّسخ في القرآن الكريم)، وانتصر له بقوله: «البدل ضرورة لا غِنَى للنَّسْخ عنها، بل لا تمام له بدونها، فلا مجال للخلاف في اشتراطه»[29]. وهناك فئة من أهل العلم لم تَرَ اشتراط البدل في النَّسْخ، وإليه مال الآمدي في (الإحكام) ونسبه إلى أكثر العلماء[30].

ب- جواز النَّسْخ بالأثقل:

اتفق علماءُ المسلمين على جواز النَّسْخ بالأخفّ (وهو أكثر صور النَّسْخ شيوعًا في الوحيَيْن) وكذلك بالمماثل، لكنهم اختلفوا في الأثقل: فذهب الجمهور إلى جوازه[31]؛ ذلك أن الحكمة من مشروعيته تعظيم الأجور وتكثير الحسنات، والزمخشري يذهب مذهب الجمهور ويميل إلى رأيهم خلافًا للظاهرية وبعض الشافعية؛ فقد جاء في كتابه (الكشاف): «كان المشركون يقولون: إنَّ محمدًا يسخر من أصحابه يأمرهم اليوم بأمر وينهاهم عنه غدًا، فيأتيهم بما هو أهون». فردّ عليهم الزمخشري بقوله: «ولقد افتروا، فقد كان ينسخ: الأشقّ بالأهون، والأهون بالأشقّ، والأهون بالأوهن، والأشقّ بالأشقّ»، ثم بَيّن الحِكْمَة من ذلك فقال: «لأنّ الغرض المصلحة، لا الهوان والمشقّة»[32].

وهنا وقفة يسيرة مع كلام الزمخشري، حاول فيها الباحثُ استقصاء كتاب (الكشاف) لاستخراج أمثلة لتلك الأنواع آنفة الذِّكْر:

1- نسخ الأشقّ بالأهون، ومنه:

* في بداية الإسلام، فَرَضَ الإسلامُ على المسلمين الصوم ولمّا يتعوّدوه بعدُ فاشتد عليهم، فرخّص اللهُ لهم في الإفطار والفدية.

* نَسْخ العِدّة من حولٍ كامل إلى أربعة أشهر وعشر.

* كان على المسلم الواحد أن يَثْبُتَ في أرض المعركة مقابل عشرة من المشركين، فنسخ اللهُ الحُكْم وخفّف عنهم بمقاومة الواحد الاثنين.

2- الأهون بالأشقّ، ومنه:

- كُتب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صيام يوم عاشوراء وثلاثة أيام من كلّ شهر حين هاجر، ثم نُسِخَتْ بشهر رمضان.

3- الأهون بالأهون، ومنه: تحويل القِبْلة من بيت المقدس إلى الكعبة بيت الله الحرام.

4- الأشقّ بالأشقّ: حبس الزانية في البيت إلى أن يتوفاها الموت، وكانت تلك العقوبة في أول الإسلام، ثم نُسِخَتْ بقوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ}[النور: 2].

ج- جواز وقوع النَّسْخ قبل التمكّن من الفعل:

مسألة النَّسْخ قبل الفعل مختلفٌ فيها: ذهبتْ طائفةٌ من العلماء إلى منعها، وهو مذهب المعتزلة وجمهور الحنفية وبعض أصحاب أحمد. وأجازها آخرون، وعليه الأشاعرة وجمهور الشافعية وأكثر الفقهاء، وهو الذي عليه الزمخشري كما هو ظاهر كلامه في (الكشاف) عند تفسيره الآية: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ...}[المزمل: 20]. وحجتهم في ذلك أنَّ المصلحة كما تنشأ من الفعل فإنها أيضًا تنشأ من العزم عليه وتوطين النفس على الامتثال[33].

د- التراخي:

يرى الزمخشري أنّ تراخي النّاسخ عن المنسوخ شرطٌ لا بد منه لقبول دعوى النَّسْخ، فالناسخ يجب أن يكونَ متأخّرًا عن المنسوخ في النزول، فلا يجوز أن يسبقه ولا أن يقترن به.

ومن المعلومِ أنّ ترتيب المصحف يختلف عن ترتيب النزول، وفي هذه المسألة يقول الزمخشري: فإن قلتَ: كيف نَسخت الآيةُ المتقدّمة [البقرة: 234] المتأخرةَ [البقرة: 240]؟ قلتُ: قد تكون الآية متقدّمة في التلاوة وهي متأخّرة في التنزيل؛ كقوله تعالى: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ}[البقرة: 142]، مع قوله:{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ}[البقرة: 144].

هـ- بيان الغاية المجهولة يعتبر نَسْخًا للمغيّا:

كما هو معلوم ومستقرّ عند الأصوليين فإنّ النّسْخ لا يُقبل في الأحكام، ولا يجوز وقوعه إلا في ما ظاهره الاستمرار، وتتفرّع من هذه القاعدة مسألة اختلف فيها العلماء، وهي: هل بيان الغاية المجهولة يعدُّ نسخًا للمغيّا؟

ذهب الزمخشريُّ والطبريُّ وابنُ الجوزي وغيرهم إلى أنّ بيانَ الغاية المجهولة نسخٌ للمغيّا، ومن ثم اعتبروا شَرْعَ حدّ الزنى ناسخًا للحبس في قوله تعالى: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا}[النساء: 15]، مع أنّ آية النور التي شرعت حدّ الزنى تبيِّن الغاية المجهولة في آية النساء: {أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا}، ولا تنسخ حكمها، وهكذا اعتبروا بيان كلّ غاية مجهولة ناسخًا للحكم المغيّا بها[34].

بدايات النَّسْخ:

يرى الزمخشريُّ أنّ البدايات الأولى لنَسْخ الأحكام الشرعية كانت في العهد المكي، خلافًا لمن يرى أنّ بداية هذه الظاهرة كانت في العهد المدني، فقد كان كفار قريش ينكرون النَّسْخ ويرونه خللًا في الدِّين الجديد ومطعنًا في مصداقيته، متّخِذِين من وقائع النّسخ -وإن كانت قليلة ونادرة الحدوث في العهد المكي- شُبَهًا يَفتنون بها الناس عن اتّباع الرسالة المحمدية[35].

النَّسْخ عند السَّلَف في كتاب (الكشاف):

لقد أكّد كثيرٌ من الدَّارِسِين لقضية النَّسْخ في القرآن على أنَّ من أهم الأسباب التي أدّت إلى الإكثار من ذِكْر دعاوى النَّسْخ في مصنّفات علوم القرآن والتفسير ما يأتي:

1- الاختلاف في تحديد المراد بمصطلح النَّسْخ كان سببًا في كثرة الخلاف في مسائل النَّسْخ، يقول ابن حزم: «لو اتّفقتْ مصطلحات الناس لانتهت ثلاثة أرباع خلافات أهل الأرض».

2- العمومية التي أُحيط بها مصطلح النَّسْخ ابتداء من العهد النبوي الزاهر مرورًا بالمسلمين الأوائل المتقدّمين المتمثّل في العهود الزاكية للصحابة والتابعين وتابعيهم، رضي الله عنهم أجمعين.

فالمدلول الأساسي للنَّسْخ حتى قبل عصر التأليف هو الرّفع، وقد عبّر القرآن عن هذا المدلول في آية البقرة وجعل مرادفه هو التبديل كما نجد ذلك جليًّا في سورة النحل، وعلى هذا فهمه الصحابة حينما عبّروا به فيما صحّت روايته عنهم، وإن كانوا قد توسّعوا في مدلوله فجعلوا المرفوع مطلق التغيير الذي يطرأ على بعض الأحكام، من تخصيص للعموم وتقييد للمطلق وتفسير للمجمل، وحتى الاستثناء أطلقوا عليه نَسْخًا إلى أن جاء الإمام الشافعي فجعل مصطلح النَّسْخ مقتصرًا على رفع الحكم كلّه حتى لا يبقى منه شيء، وقد استقرّ العمل عليه واعتمده علماء الإسلام[36].

ومن خلال تتبّع الباحث لدعاوى النَّسْخ في تفسير (الكشاف) وجد أنَّ الزمخشري يستخدم النَّسْخ مرّة بمعناه الاصطلاحي المتعارَف عليه عند علماء الأصول، ومرّة أخرى بمعناه العمومي الشامل عند السَّلَف من غير أن يُشير ولو لمرّة واحدة إلى الفَرْق الكبير بين المصطلحَيْن؛ مما قد يوقِع طالب العلم المبتدِئ في حيرة والتباس شديدَيْن.

فالزمخشري يذكر في (الكشاف) -على سبيل المثال وليس الحصر- خبرًا عن ابن عباس مفاده أنّ آية: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا}[التوبة: 41]، منسوخة بآية: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ}[التوبة: 91]. ولا يخفى أنَّ ابن عباس استخدم النَّسْخ بمعناه العام ولا يقصد به النسخ الاصطلاحي، فالجمع بين الآيتَيْن يسير والعلاقة بينهما عموم وخصوص.

ولهذا وجب على الدارِسِين على اختلاف خلفياتهم الفكرية والعقدية أن يعلموا أنه ليس من الأمانة العِلْمِيّة في شيء أن نُورد عن ابن عباس خبرًا يُقرَّر فيه نسخٌ لآية أخرى مع أنه ليس بين الآيتَيْن إلا علاقة المستثنى بالمستثنى منه أو علاقة الخاصّ بالعام لنستدل بهذا الخبر على أنّ إحدى الآيتين منسوخة بالأخرى على ما اصطلحنا عليه مؤخّرًا في تحديد مدلول النَّسْخ.

ترجيح دعاوى النَّسْخ عند الزمخشري:

يُورِد الزمخشري دعوى النَّسْخ على منهج غير محدّد؛ فتارة يذكرها بالعَزْو وتارة يذكرها دون العَزْو، ويذكر آراء العلماء معقّبًا عليها أحيانًا، وملقيها على عواهنها أحيانًا أخرى، مرجّحًا أحيانًا ومعرضًا عن الترجيح أحايين كثيرة مكتفيًا بالنقل من غير أن يدلي بدلوه في المسألة ومن دون أن يسهم برأيه في القضية، مسلِّمًا لأقوال مَن سبقوه من أهل العلم والفضل.

هذا، ولقد لاحظ الباحثُ من خلال تتبّعه مواضع دعاوى النّسْخ في تفسير (الكشاف) عدمَ تصريح الزمخشري بالراجح عنده في مواضع كثيرة عند تطرّقه لاختلاف المفسِّرين في الناسخ والمنسوخ من آيات الكتاب العزيز، وفي هذه المناسبة لا بد من الانتباه إلى أنّ هناك من الأقوال التي تُنسب إلى الزمخشري على أنها من اختياره وترجيحاته وما هي في حقيقة الأمر إلا آراء نقلها الزمخشري عن غيره من أهل العلم ولم ينسبها إلى نفسه، والأمانة العِلْمية تقتضي عدم نسبتها إلى الزمخشري إلا إذَا دلّتْ قرائن تُوحي بأنّ الزمخشري يميل إلى ذلك الرأي ويتبنّاه[37].

وإعانةً للمبتدئ وتنبيهًا للمنتهي تتبَّع الباحثُ مواطن ترجيحات الزمخشري في النَّسْخ حتى يتسنى للباحثين تمييز أقوال الزمخشري من غيره؛ فوجد أنَّ أساليب الترجيح بين دعاوى النَّسْخ عند الزمخشري لها مناهج متباينة وصيغ متعدّدة، منها على سبيل الإجمال لا الحصر:

1- يفرده بالذِّكْر ولا يعوِّل على رأي عَداه.

2- يجعل القول الراجح في صدارة كلامه، ويعضِّده بالآثار والمرويات، ويسنده بالشرح والتعليق.

3- «أكثر الأقاويل على أنها منسوخة».

4- «هذا الحكم ثابت في كلّ وقت».

5- «الآية محكمة إلى يوم القيامة».

6- «والصحيح أنّ الأمر موقوفٌ على ما يرى فيه الإمام صلاح الإسلام وأهله».

الخاتمة:

تناولْنَا في هذه المقالة مذهب الإمام الزمخشري في النَّسْخ، وتبيّن من خلالها أنّ الزمخشريّ يرى وقوع النَّسْخ في القرآن الكريم، وأنه قد سلك في ذِكْر دعاوى النَّسْخ في تفسيره (الكشاف) مسلكًا متوسطًا بين الإفراط والتفريط، وقد عرّف النَّسْخ اصطلاحًا بأنه: «تبديل آية مكان آية»، مقتصرًا على نوع واحد من أنواع النَّسْخ، ودون ذِكْر لمحترزات التعريف، أو إيراد للقضايا والخلافات التي مُلِئت بها كتب التفسير والأصول.

كما تبيّن أن الزمخشري يرى أن مشروعية النَّسْخ في الإسلام تنسجم مع كليات الإسلام ومقاصد الشريعة، ومن الحِكَم التي تتجلى من مشروعية النَّسْخ من خلال تفسيره للآيات الوارد فيها النَّسْخ ما يأتي: رعاية مصالح العباد، وابتلاء المؤمنين حتى يتحقّق في قلوبهم التسليم والانقياد لله، وظهور كمال قدرة الله تعالى المطلقة وتصرّفه في ملكه كما يشاء، وتعظيم الأجور وتكثير الحسنات ورفع الدرجات، والتيسير والتخفيف رحمة من الله بعباده.

ويميل الزمخشري إلى أن السُّنَّة المتواترة تنسخ القرآن الكريم، ويرجّح أنّ البدل شرط من شروط قبول دعوى وقوع النّسخ، وأن النّسخ بالأثقل جائز الوقوع ولا يتعارض مع مقاصد الشريعة، ويرى أن التراخي شرط لا بد منه لقبول دعوى النّسْخ، وأن بيان الغاية المجهولة يعتبر نسخًا للمغيّا.

ومن خلال تتبُّع المواضع التي تعرّض فيها الزمخشري لذِكْر النّسْخ تبيّن أنه يستخدم النَّسْخ مرّة بمعناه الاصطلاحي المتعارف عليه عند علماء الأصول ومرّة أخرى بمعناه العمومي الشامل عند السّلف، وأنه نادرًا ما يذكر الراجح عنده في دعاوى النّسْخ، كما أنّ له منهجًا في الترجيح وصِيَغًا مستخدَمة أشارتْ إليها المقالة وتتبّعَتْها. 

 

 

[1] جامع بيان العلم وفضله، ابن عبد البر، (1/ 55).

[2] راجع: كتاب (الناسخ والمنسوخ) لابن حزم، و(الناسخ والمنسوخ) لابن سلامة، و(نواسخ القرآن) لابن الجوزي، و(الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه) لمكي بن أبي طالب.

[3] من أمثال الشيخ محمد عبده، ومحمد الغزالي، ومحمد الخضري بك، وعبد المتعال الجبري، والدكتور علي جمعة، والدكتور عدنان إبراهيم، وغيرهم.

[4] راجع: تفسير الكشاف، سورة البقرة، الآية (124).

[5] يرى مصطفى زيد في كتابه (النَّسْخ في القرآن الكريم) أنه ما من موضع قيل فيه بالنسخ إلا وقد قيل فيه بالإحكام إلا ستة مواضع في القرآن الكريم.

[6] أساس البلاغة، الزمخشري، (2/ 266).

[7] التحرير والتنوير، ابن عاشور. سورة الجاثية، الآية: 29.

[8] لسان العرب، ابن منظور. حرف النون، فصل السين، مادة نسخ.

[9] أساس البلاغة، الزمخشري، (2/ 266).

[10] النسخ في القرآن الكريم، مصطفى زيد، ص66.

[11] النسخ في القرآن، مصطفى زيد، ص197.

[12] راجع: تفسير الكشاف، الآية (101) من سورة النحل، بتصرّف.

[13] راجع: تفسير الكشاف، الآية (106) من سورة البقرة.

[14] راجع: تفسير الكشاف، الآية (107) من سورة البقرة.

[15] راجع: تفسير الكشاف، الآية (102) من سورة النحل.

[16] راجع: تفسير الكشاف، الآية (102) من سورة النحل.

[17] فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب، الطيبي الحسن بن عبد الله. النحل، الآية (102).

[18] مقاصد التشريع من النسخ، عبد العزيز العويد، ص5.

[19] راجع: تفسير الكشاف، الآية (150) من سورة البقرة.

[20] النسخ في القرآن الكريم، مصطفى زيد، ص22.

[21] راجع: تفسير الكشاف، الآية (106) من سورة البقرة.

[22] الإحكام في أصول الأحكام، للآمدي، (3/ 141).

[24] الإحكام في أصول الأحكام، ابن حزم، (1/ 518).

[25] الموافقات في أصول الأحكام، الشاطبي، (3/ 64).

[26] الموافقات في أصول الأحكام، الشاطبي (3/ 64).

[27] الكشاف، الزمخشري. سورة النحل، الآية (101).

[28] رواه البخاري وأبو داود.

[29] النسخ في القرآن الكريم، مصطفى زيد، ص195.

[30] الإحكام في أصول الأحكام، الآمدي، (6/ 620).

[31] النسخ في القرآن، مصطفى زيد، ص198.

[32] راجع: تفسير الكشاف، الآية (101) من سورة النحل.

[33] مفتاح دار السعادة، ابن القيم، (2/ 40).

[34] انظر: تفسير الزمخشري، سورة النساء، الآية (15). النسخ في القرآن الكريم، مصطفى زيد، ص139.

[35] راجع: تفسير الكشاف، سورة الرعد، الآيات (38- 39).

[36] النّسخ في القرآن الكريم، مصطفى زيد، ص214.

[37] على سبيل المثال اطّلعتُ مؤخرًا على مقالة قيمة منشورة على موقع تفسير بعنوان: «كتاب (قواعد الترجيح عند المفسِّرين) للدكتور/ حسين الحربي؛ نظرات نقدية»، للأستاذ محمد يحيى جادو، نَسب فيها للزمخشري ترجيحًا بنَسْخ قوله تعالى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً}[محمد: 4]، والذي يتبيّن لي أنّ الزمخشري اكتفى بنقل أقوال الأئمة ولم يتطرّق إلى الراجح عنده في المسألة لا من قريب ولا ومن بعيد.

الكاتب

سلام سعيد الصقري

حاصل على بكالوريوس كلية الآداب والعلوم الاجتماعية.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))