الاستشراق في الدراسات الإسلامية: الدراسات القرآنية نموذجًا
تشخيص لأزْمَة المنجَز، وحلول مقترحة لتجاوزها

المترجم : طارق عثمان
شهدت الساحةُ الغربيّة الاستشراقية اشتغالًا موسّعًا بدراسة القرآن الكريم، وقد وقع تباينٌ واسعٌ بين الدارِسين في المنطلقات والمناهج التي تجب دراسة القرآن من خلالها، في هذه المقالة تحاول أنجيليكا نويفرت تشخيصَ الوضع الحالي لأزمة الدراسات الغربية حول طريقة التعامل مع القرآن الكريم، وكذلك تطرح بعض الرؤى والمسالك لمجاوزة هذه الأزمة.

  في الآونة الأخيرة على ساحة الدرس الاستشراقي، أصبحت دراسة القرآن ذاتها موضوعًا للدرس، حيث مثّل الخلاف حول المنهجيات والمنطلقات والقضايا النظرية المتعلقة بدراسته أرَقًا كبيرًا للباحثين، فقضايا مِثل: كيف ندرس القرآن؟ وما صلة دراسته بالتفسير؟ وهل يمكن دراسته معزولًا عن سياقه التاريخي أم أن دراسة هذا السياق هي أمر حتمي؟ وما هذا السياق التاريخي الذي يتحتم دراسته فيه؟ هي أسئلة تنازعها الباحثون دون إمكان الوصول فيها لحلٍّ مُرضٍ.

في هذه المقالة تطرح الألمانية أنجيليكا نويفرت هذه التساؤلات، باحثةً عن جذور معضلة الدراسات القرآنية في البحث الغربي المعاصر منذ انطلاقته.

وتُرجِع نويفرت جزءًا كبيرًا من الإشكال لما اعتبرته حرمان القرآن من أن يُعامَل معاملة كتاب مقدس، حيث لم يُدرس القرآن مثلما دُرِست الكتب السابقة (الكتاب المقدَّس العبري والإنجيل) على أنها كتب دينية مستقلة، بل دُرس دومًا بغرض البحث عن أصله الخفيّ في المصادر اليهودية والمسيحية السابقة عليه، وهذا بسبب النظر للإسلام كدِين حطّم اتصال الغرب بالشرق الأوسط؛ لذا ينبغي ردّه لما سبق لاستعادة هذا الاتصال المفقود.

أمّا فيما يتعلق بسؤال سياق النص التاريخي تحديدًا فتعتبر نويفرت أن القرآن قد تنازعه اتجاهان في الفترة الأخيرة: اتجاه يعزل القرآن عن سياقه العربي بشبه الجزيرة ليضعه في سياق سوريّ أو عراقي ويطعن في كل أبعاد السردية التقليدية عن تاريخه، في مقابل اتجاه يتناوله في صورته ما بعد المعتمَدة فحسب؛ ليُهدِر -بهذا- السياقَ التاريخي للنص، ويدخل فيه ربما تلك القراءات التي تحاول التداخل مع المنظور العقدي للمسلمين مثل قراءات شتيفان فيلد.

وفي مقابل هذا تطرح نويفرت -للخروج من الأزمة- قراءةً للقرآن لا تستبعد النص ما بعد المعتمَد، وإنما تضيف قراءةً هدفُها اكتشاف الدراما الحيّـة -على حد تعبيرها- داخل القرآن، والتي تُبرز تكوُّنه في سياق يعجُّ بالنقاشات اللاهوتية، التي تظهر آثارها في القرآن وفي استجاباته النقاشية لمستمعيه وتطويره لحججه وجدالاته في مقابلهم.

هذه المقالة تحدد ملامح الإشكال المعاصر لدراسة القرآن غربيًّا، وتلك الحلول التي يطرحها أحد أهم الباحثين على ساحته لتجاوز هذه الوضعية، مما يجعلها شديدة الإفادة في تصور وضعية حقل الاستشراق المعاصر وإشكالاته وحلوله المفترضة. 

المؤلف

أنجيليكا نويفرت - ANGELIKA NEUWIRTH

أستاذ الدراسات السامية والعربية في جامعة برلين الحرة، تُعد من أشهر الباحثين الألمان والأوروبيين المعاصرين في الدراسات القرآنية والإسلامية.
درست الدراسات السامية والعربية والفيلولوجي في جامعات برلين وميونيخ وطهران، عملت كأستاذ ومحاضر في عدد من الجامعات، مثل: برلين وميونيخ وبامبرغ، كما عملت كأستاذة زائرة في بعض الجامعات مثل: جامعة عمان بالأردن، وجامعة عين شمس بالقاهرة.
أشرفت على عدد من المشاريع العلمية، منها مشروع (كوربس كورانيكوم).
ولها عدد من الكتابات والدراسات المهمّة في مجال القرآن ودراساته.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))