تحليل النفس البشرية في حال النعم
وقفات تدبّرية في قصة صاحب الجنتين في سورة الكهف

الكاتب : إبراهيم لبيب
قصَّ اللهُ تعالى قصص القرآن لتكون عبرة لأولي الألباب، وهذه المقالة تتناول قصة صاحب الجنتين الواردة في سورة الكهف، وتسلّط الضوء على ما تناولته القصة من أحوال النفس البشرية ‏في حال النعم، مع بيان سبل علاج الآفات النفسية العارضة في هذه الحال كما بيّنتها القصة.

  الحمد لله الذي خلق الإنسان وعلّمه البيان وأرشده إلى طريق الحقّ بأفضل بيان، والصلاة والسلام على نبيّنا خير الأنام، الهادي إلى طريق الله المستقيم الذي لا يقبل من العباد طريقًا غيره.

أمّا بعد:

فإنّ القصص القرآني مَعِين لا يَنضب، ينهل منه الإنسان كلّ ما يعينه على فهم الحياة عمومًا والنفس البشرية خصوصًا.

فأكثر مِن ربع القرآن قصص؛ وأخبَرنا ربنا -تبارك وتعالى- أنه قصّ علينا هذه القصص لتكون لنا عبرة؛ قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ [يوسف: 111]؛ فهي ليست للتسلية إذن ولا للإمتاع العقلي أو السرد التاريخي كما يروِّج لهذا كثير من المعرضين، وإنما لنستلهم منها الدروس والعِبَر على امتداد الزمان.

وفي هذه المقالة سنحاول تسليط الضوء على قصة مهمّة من قصص القرآن، والتي وردت في سورة الكهف، وهي قصة صاحب الجنتين، هذه القصة التي تسلّط الضوء على ما يدور في أعماق النفس البشرية في حال وجود النِّعَم، ونحاول من خلالها أن نتلَمّس خطورة الآفات النفسية التي تُـحْدِثُها النعم إذا نسي الإنسانُ الـمُنعِمَ سبحانه وتعالى، ثم نبيّن سُبل العلاج كما بيّنَتْها القصة، كما نشير لأهمية معايشة القرآن، وأنّ توجيهاته صالحة لمخاطبة الناس في كلّ عصر.

تدور أحداث القصة حول رجلين أنعم اللهُ على أحدهما بجنتين جميلتين مزروعتين بثمار وأشجار من نخيل وأعناب، وأنّ الله فجَّر بين هاتين الجنتين نهرًا.

قال تعالى: ﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا * كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا * وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ...﴾ الآيات [الكهف: 32 - 34].

فَلَكَ أن تتخيّل هذا المنظر الخلّاب الذي يأسر القلوب؛ جنتان فيهما من كلّ الثمرات، الأعناب في الوسط والنخل قد حَفّ بالجنتين مع وجود النهر في الوسط، فالماء مع الخضرة والثمار من أجمل المناظر التي تأسر القلوب؛ ولهذا جعلها اللهُ جزاءً للمتقين في الآخرة: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ﴾ [القمر: 54].

ثم أخبر تعالى أنّ كلًّا من الجنتين آتت أُكلها، أي: ثمرها وزرعها ضِعفين، أي: متضاعفًا ﴿وَ﴾ أنها ﴿لَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا﴾ أي: لم تنقص من أُكلها أدنَى شيء.

وبمفهوم السياق نعرف أنّ الرجل الآخر لم يكن له نصيب من هذه النعم التي أنعمها الله على صاحب الجنتين.

ثم تنتقل القصة بعد ذلك إلى الحوار الذي دار بين الرجلين، وهو بيت القصيد؛ حيث يكشف لنا هذا الحوارُ خبايا النفس البشرية، ويُوضِّح لنا مكنونات النفس الإنسانية في حال النّعم.

قال تعالى: ﴿وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا * وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا﴾ [الكهف: 34 - 36].

بعد أنْ أخبَرتْنا الآيتان السابقتان بتفاصيل النعم التي أنعمها الله على هذا الرجل، جاء في أول هذه الآية ذِكر ثمرة هذه النعم: ﴿وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ﴾؛ قُرئت: ﴿ثَمَرٌ﴾ بفتح الثاء والميم، وقُرئت بضمّهما: ﴿ثُمُرٌ﴾. قال البغوي في تفسيره: «فَمَنْ قَرَأَ بِالفَتْحِ هُوَ جَمْعُ ثَمَرَةٍ، وَهُوَ مَا تُخْرِجُهُ الشَّجَرَةُ مِنَ الثِّمَارِ الـمَأْكُولَةِ.

وَمَنْ قَرَأَ بِالضَّمِّ فهي الأَمْوَالُ الكَثِيرَةُ الـمُثْمِرَةُ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ، جَمْعُ ثِمَارٍ. وقال مُجَاهِدٌ: ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ، وَقِيلَ: جَمِيعُ الثَّمَرَاتِ»[1].

والنكرة هنا تفيد التعظيم؛ أي: كان له ثمرٌ عظيم، والمقصود أنّ ما حصل لهذا الرجل من النعم هو كل ما يتمنّاه الناس في زمانه مِن زينة الدنيا من الثمار والأموال.

ولكن تأمّل معي ماذا أحدث هذا النعيم في نفس هذا الرجل؟!

الآفات النفسية التي أصابت صاحب الجنتين بسبب النعمة:

الناظر في الآيات والمتأمّل لها يمكنه أن يستنبط خمس آفات نفسية مهلكة لصاحب الجنتين؛ وهي:

1- الكِبْر.

2- التفاخُر.

3- الاعتقاد بأنّ النعمة تدوم.

4- الشعور بالاستحقاق.

5- الكُفر. وهو أخطر ما يمكن أن يصيب العبد إذا ما استرسل مع الآفات النفسية السابقة.

بدايةً، ينبغي أن ننوّه على أنّ هذه الآفات لا يشترط أن تحدث جميعها مع كلّ الناس في حال الغنى. فقد تحدث كلّها أو بعضها أو لا يحدث منها شيء. لكن المقصود أن النفس البشرية تُدفع دفعًا لهذه الآفات النفسية في حال النعم سواء كانت النعمة بالمال أو بالسلطة أو بالقوة أو بالشهرة أو غير ذلك. ولا ينجو من هذه الآفات إلا مَن عصمه الله وجاهد نفسَه.

وهاكم توضيح لهذه الآفات النفسية الخطيرة من دلالات ألفاظ القصة.

أولًا: الكِبر:

وهذا ظاهر من أول كلمة قالها صاحب الجنتين؛ إذ كان أول ما قاله لصاحبه: (أنا)، ﴿أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا﴾ [الكهف: 34]، وهذه (الأنا) هي التي تفوح بالكِبر، وهي التي تهلك صاحبها؛ لأنّ الكبر يمنع من رؤية الأمور على حقيقتها، ويعمي الإنسان ويصمّه عن رؤية أيّ فضل للآخرين؛ فالأنانية تجعل المتكبّر يرى أنه محور الكون وغايته ومنتهاه!

وهذا الكبر هو غاية الظُّلْم للنفس -فضلًا عن ظُلْم الآخرين- ولهذا ذكر الله في وصف الرجل في الآية التالية: ﴿وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ﴾ [الكهف: 35].

ثانيًا: التفاخُر:

ثم بعد هذه (الأنا) التي ذكرنا، يأتي لازمها وهو التفاخر، فبدأ صاحب الجنتين بالتفاخر على صاحبه الذي يحاوره، وهذا من منطلق الإحساس بالقوة والفوقية؛ بسبب ما يَملِك مِن نعم، بل وصل به الغُرورُ بأن ينسبَ هذه النعم لنفسه، بدلًا من أن ينسبَها للمُنعِم سبحانه وتعالى.

وهذا التفاخر من الآفات النفسية العظيمة التي تضيع فيها الأعمار فيما لا يعود بالنفع على العبد في دينه أو دنياه، بل تجرّ عليه الوبال، فكثير من الناس يبذل الغالي والنفيس من الأوقات والأموال لا لشيء إلا ليتفاخر بها على غيره!

ولهذا ذكر اللهُ هذا التفاخر في آية لـخّصت حقيقة الدنيا واللهث وراءها عند أكثر الناس.

قال تعالى: ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ [الحديد: 20].

 وإمعانًا في التفاخر؛ فإنّ صاحب الجنتين لم يحدّث صاحبه المؤمن عمّا لديه من ثمار وأموال إلا بعد أن أدخله معه جنّـتَيه، وذلك ليستعمل الإبهار البصري في التأثير عليه؛ إِذْ ليس الخبر كالمعاينة!

ثالثًا: اعتقاد دوام النعمة:

الآفة النفسية الثالثة التي تصيب الإنسان عند إنعام الله عليه بنعمة دنيوية، هي اعتقاده بدوام هذه النعمة!

فكان مما قال صاحب الجنتين: ﴿مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا﴾ [الكهف: 35]، إنه شعور عجيب يقف المرء عنده مندهشًا!

إنها سَكْرة تغـيِّب العقل عن رؤية الأمور على حقيقتها، كما قال تعالى في سورة الهمزة: ﴿يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ﴾ [الهمزة: 3].

فالناس -كلّ الناس- يعلمون أنّ الأحوال تتبدّل وأنّ الآجال تنتهي، والواقع والتاريخ شاهد على ذلك، ولكنها السَّكْرة، سَكرة النعم التي تُعمِي القلب وتصمّه.

حينما تقرأ في كتب التاريخ عن سِيَرِ بعض الطغاة الذين أنعم اللهُ عليهم بنعمة الملك والسلطة، تتعجّب كثيرًا مِن تصرّفاتِ بعض هؤلاء في البلاد والعباد، حتى كأنّ الناظر لحالهم يشعر وكأنّهم يعتقدون أنهم مخلَّدون في الأرض، إنها سَكرة السلطة! وعلى هذا قِس باقي النعم؛ فقصة صاحب الجنتين وإن كانت عن الحديث عن نعمة المال والغنى إلا أن المتدبّر يعلم أنها أعمّ من ذلك. فإن أخطر ما في النعم أنها تصيب الإنسان بداء طول الأمل، قال تعالى: ﴿ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ [الحجر: 3].

وقد حذّر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كثيرًا من طول الأمل والانشغال بنعم الدنيا، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (لا يزال قلب الكبير شابًّا في اثنين: في حب الدنيا، وطول الأمل) [رواه البخاري].

رابعًا: الشعور بالاستحقاق:

بعد أن أنكر صاحب الجنّتين الحساب والجزاء يوم القيامة بقول: ﴿وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً﴾ [الكهف: 36]، ادَّعى بعدها أنه لو قُدّر أنّ هناك جزاءً وحسابًا فسَيجِدُ أفضلَ مِن هاتين الجنّتين؛ فقال: ﴿وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا﴾ [الكهف: 36].

وهذه من الآفات المهلكة وهي مترتبة على الكِبر الذي يصيب الإنسان المنعَم عليه، فيأتيه شعور بأنّ توالي النعم عليه؛ إنما هو لاستحقاقه لها، وأن هذا الاستحقاق سيظلّ باقيًا معه إلى ما بعد الموت!

وقد سجّل لنا القرآن هذا الشعور الذي يصيب الإنسان في مواضع من كتابه.

منها قول قارون بعدما أعطاه الله المال الجزيل: ﴿قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي﴾ [القصص: 78].

قيل إنّ المعنى: أنّني تحصّلتُ على هذه الأموال لعِلْمِي بأوجه الكسب وفطنتي وحذقي.

وقيل إنّ المعنى: أنّ الله يعلم بأنِّي مستحِق لذلك وأهلٌ لأنْ أكون من أهلِ الغنى.

فجاء الردّ من الله -عز وجل- عليه: ﴿أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا﴾ [القصص: 78]، أي: أنّ الله -عز وجل- الذي أهلك مَن هو مثله وأعظم، قادر على أن يهلكه، إذا فعل ما يوجب الهلاك.

والشعور بالاستحقاق هذا صفة ملازمة لكلّ كافر غارق في النعم؛ قال تعالى عن المترفين الذين كذّبوا برسله: ﴿وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾ [سبأ: 35]، فاعتقدوا أنّ ما لديهم من النعم، إنما هم مستحقون لها، واستدلّوا بها على أنّهم أهل فضل وكرامة، وأنّ الله يريد بهم خيرًا؛ وما علموا أن الله يبتلي عبادَه بالسراء والضراء، كما سيأتي.

خامسًا: الكُفر:

وهذه أخطر الآفات وأعظمها على الإطلاق؛ إِذْ ليس بعد الكفر ذنب، فمَن مات على الكفر فلن يغفر الله له ومأواه النار خالدًا فيها أبد الآبدين، فإنكار البعث والحساب أو الشك فيهما كفر بالله موجب للخلود في النار.

قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ﴾ [البقرة: 161- 162].

وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾ [آل عمران: 91].

وبعد بيان هذه الآفات التي ذكرنا سنحاول فيما يأتي بيان خطورة وكيفيات علاج هذه الآفات في ضوء آي القصة.

خطر الآفات الخمس السابقة ومسلك العلاج منها:

من جمالِ الأسلوب القرآني، أنه لا يمكن أن يذكر شبهة أو مقولة باطلة على لسان أحد ممن حكى عنهم؛ إلا ويأتي الردّ عليها واضحًا جليًّا.

والآن تأمّل كيف فنّدَت الآيات -على لسان الرجل المؤمن- هذه الآفات النفسية الخمس وبيّنَت عوارها وما تحملها من شبهات، مع التلميح بذكر العلاج بأوجز عبارة وأجمل أسلوب!

أولًا: الردّ على الشك في البعث والكفر بالله:

لـمّا كان إنكار البعث فيه اتّهام لحكمة الله في الخلق والأمر؛ إِذْ معناه أنّ الله -حاشاه- قد خلق الكون عبثًا، صار منكره كافرًا بلا ريب. ولـمّا كان الكفر بالله هو أعظم ذنب يمكن أن يرتكبه الإنسان، فكان أول ما بدأ به الرجل المؤمن في حواره هو بيان هذا الأمر والتشنيع عليه، فكان أول ما قال: ﴿أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا﴾ [الكهف: 37].

وهذا يبيّن أنّ إنكار البعث أو الشك فيه إنما هو كفر صريح لا يبقَى معه إيمان.

وهذا الردّ الواضح القاطع على كفره يعلّمنا عددًا من الأمور في الحوار والتأثير النفسي على المخالف:

1- أنّ الردّ يكون بالأهمّ أولًا؛ فمَع أنّ صاحب الجنتين اعتقد أمورًا خاطئة متعدّدة وصرّح بها إلا أن المؤمن بدأ بأخطرها على الإطلاق، وهذا يعلّمنا أنّنا في الحوار مع المخالف لا بدّ أن نبدأ بالمهم حتى لو كان صعبًا على نفس المحاور، لا أنْ نبدَأ بالأسهل ظنًّا منّا أن ذلك يهيِّـئُه لتقبُّل المزيد كما قد يقول بعضهم.

2- أسلوب الحوار وسياق الحديث لا بد أن يتناسب مع حال المتحاور معه؛ فقد يتساءل المرء لماذا اختار المؤمن تذكير صاحب الجنتين بمرحلة النطفة تحديدًا: ﴿أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ﴾؛ لماذا لم يذكر مثلًا مرحلة العلقة والمضغة أو الخروج من بطن الأم طفلًا ضعيفًا، فكلّها مراحل ضعف للإنسان؟!

الجواب: لأنّ المتحاور معه متكبّر ومتفاخِر، فاختيار التذكير بمرحلة النطفة -التي هي أحقر مرحلة للإنسان في دورة حياته- لعله يكون رادعًا له! كما قال تعالى: ﴿أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ﴾ [المرسلات: 20]، أي: ماء حقير مستقذَر.

3- أنّ التصريح بالنقد أحيانًا متعيّن؛ ولا يجوز العدول عنه إلى التلميح، خصوصًا إذا كان الجُرم كبيرًا، كإنكار البعث والكفر بالله.

4- الإعلان عن المبدأ والعقيدة التي يتبنّاها المؤمن يزيد من مصداقيته وحجّته؛ فبعد أن أنكر الكفر على صاحب الجنتين أعلنها صريحة بعدها: ﴿لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا﴾ [الكهف: 38].

ثانيًا: الردّ على مسألة الكِبر:

وقد ظهر ذلك في حوار المؤمن من خلال الآتي:

1- تذكيره بأصل خلقته (النطفة) وقد سبق بيان أهمية ذِكر هذه المرحلة مع المتكبّر الجاحد، ومسألة التذكير بمرحلة النطفة في القرآن كثيرة مع حالة الجحود والكفران، مثال ذلك قوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ﴾ [يس: 77].

2- تذكيره بنعمة الحياة التي هي أصل كلّ النعم: ﴿ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا﴾، فامتنّ الله عليك أيها المتكبر المتفاخِر وجعلك إنسانًا ولم تكُ مِن قبلُ شيئًا، قال تعالى: ﴿أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا﴾ [مريم: 67]، وقال تعالى: ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا﴾ [الإنسان: 1]، فعلامَ التكبّر؟ فما بك من نعمة فمن الله!

فمَا أحرى الإنسان دومًا بتذكّر هذا الردّ عند وجود النعمة ليمنع نفسه من التكبّر والاغترار.

ثالثًا: الردّ على مسألة التفاخُر:

﴿وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا * فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ﴾ الآيات [الكهف: 39- 40].

يبيّن المؤمن هنا أنّ النعم التي عند صاحبه إنما هي محض هبة من الله، وأنها بتقدير الله وفضله وإنعامه؛ ﴿مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ﴾، أي: إنّ الله هو الذي شاء ذلك؛ ليس بفضلٍ منك ولا لكيسٍ منك، فعلامَ التفاخُر إذن؟!

والقرآن الكريم كثيرًا ما يلحّ على هذا المعنى ويذكّر الإنسان بأنّ الله هو المتفضّل على عباده سبحانه، قال تعالى: ﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ﴾ [النحل: 53]، فالله هو الواهب المعطي وليس للعباد حقّ على الله.

ما للعباد عليه حقٌّ واجبٌ * كلّا ولا عملٌ لديه ضائعُ

إن عُذّبوا فبعدلِه أو نُعّموا * فبفضلِه وهو الكريم الواسعُ

ثم بعدها بدأ يلفت نظره إلى أنه وإن كان هو أقلّ منه مالًا وولدًا، فعسى الله أن يبدّل حاله إلى ما هو أفضل من حال صاحب الجنتين.

كما أنّ الجنتين اللتَين تفاخَر بهما قد يقدّر الله إهلاكهما بأيّ سبب؛ فهو سبحانه مسبِّب الأسباب وعلى كلّ شيء قدير. فجمع له في موعظته بين إمكانية هلاك الشيء الذي يتفاخر به، وبين تبديل حال المؤمن إلى حال أفضل مما هو عليه، فيصبح المفضول فاضلًا.

رابعًا: الردّ على اعتقاد دوام النعم:

﴿وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا * فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا * أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا * وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ...﴾ الآيات [الكهف: 39- 42].

العاقل هو الذي يعلم أن النعمة لا تدوم؛ فهي إمّا أن تزول عن العبد في الدنيا، أو يزول هو عنها بالموت. ومِن ذكاء الداعية أن يذكِّر المدعوّ بهذه الحقيقة دائمًا؛ لأنّ سبب ضلال أكثر الخلق إنما هو اغترارهم بالنعم، كما قال مؤمن آل فرعون مثلًا محذِّرًا قومَه بأنّ ما لديهم من الـمُلك قد يزول؛ فقال لهم محذِّرًا بطش الله بالكفار في الدنيا: ﴿يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ * وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ * مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ﴾ [غافر: 29- 31].

ثم قال بعدها مباشرة: ﴿وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ * يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ [غافر: 32- 33].

فكأنه يريد أن يقول لهم أنّ ما لديكم مِن مُلكٍ إمّا أن يزول في الدنيا أمام أعينكم بسبب كفركم، أو تموتون على ما أنتم عليه من مُلك فتُبعثون على كفركم بعد أن زلتم عن الدنيا وما فيها من نعم.

ولهذا كثيرًا ما يذكِّر القرآن بأنّ أعلى نعمتين في الدنيا عند الناس (المال والأولاد) لن يغنيا عن العبد من عذابِ الله من شيء إذا ما مات على الكفر، مثال ذلك قول الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [آل عمران: 116].

خامسًا: الردّ على الشعور بالاستحقاق:

بعد أن بيّنَت الآية الكريمة أنّ ما فيه العبد من نعم إنما هي بفضل الله: ﴿وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ﴾ [الكهف: 39].

ذكرَت ما آل إليه حال الجنّتين في آخر القصّة.

﴿وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا * وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا * هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا﴾ [الكهف: 42- 44].

فلو أنه كان مستحِقًّا لما فيه من نِعم، ما صارت جنّتاه إلى ما صارت إليه.

وهاهنا يحسن الإشارة إلى أمرٍ كَثُر فيه اللغط بين روّاد ما يُعرف بعلم التنمية البشرية الغربية الحديثة؛ إِذْ يروّجون دائمًا أن الغنيّ إنما هو مستحِقّ لِما فيه مِن نعم، وأنه إنما نال غناه بسبب سعيه وكدّه، دون أيّ ذِكر لتوفيق الله، وأنّ الفقير استحقّ ما هو فيه بسبب قلّة سعيه وتقصيره.

وهذا الأمر يكذّبه الواقع ويردّ عليه -مع تسليمنا بأهمية السعي- فكم رأينا مِن غنيّ يرتع في نعم الدنيا وهو كسول محدود الذكاء ليس عنده شهادات علمية ولا خبرات عملية، وكم من فقير يعاني الأمَرّين مع ما يقوم به من سعي وكدّ ومع ما يمتلكه من شهادات أكاديمية ونشاط في السعي!

وهذا الملحظ (أعني المبالغة في تقديس الذات وقدرتها على تحقيق الغنى استقلالًا) بدأ كثير من الكُتّاب في الغرب -غير المسلمين- في انتقاده بشدّة!

فعلى سبيل المثال في كتاب: (خرافة ريادة الأعمال) تأليف مايكل جريبر ذكر أن 80% من المشاريع الجديدة تفشل في أول خمس سنوات! وذلك بحسب إحصائيات أمريكية تم نشرها.

وكما سبق، فإننا لا نقلّل من أهمية السعي؛ لكن ينبغي ألّا ننسى أنه في الوقت الذي ينادي فيه كثير من المتحمّسين بضرورة تبنّي مشروعك الخاص، وأن مجهودك لا ينبغي أن يصرف على تحقيق نجاحات الآخرين، فأنت أحق به و... إلى آخر هذه الحماسيّات =أنّ احتمال فشل مشروعك الخاص أكبر من احتمال نجاحه.

ونؤكّد هاهنا كذلك أننا لا نقلّل من أهمية السعي واتخاذ القرارات الجريئة؛ لكننا نتعجّب كثيرًا من ثقة كلّ مَن يتكلم في هذا الأمر، وكأنّ نجاح الإنسان في سعيه أمرٌ محتوم، وكأنه الخالق لأفعاله وأقداره.

والقرآن كثيرًا ما يؤكّد على أنّ سعة الرزق وتقتيره إنما هو بقدَر الله: ﴿قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [سبأ: 36].

فالمؤمن يخطط ويسعى ويستغل الإمكانات المتاحة، وفي نفس الوقت يعلم أنه لا يشترط أن تكون نتيجة السعي وفق ما أراد أو خطط؛ فقد يريد الإنسان أمرًا ويقضي الله أمرًا آخر.

خطاب القرآن صالح لكلّ زمان ومكان:

وهاهنا وقفة لا بدّ أن نقف معها؛ فبعد أن سبرنا أغوار النفس البشرية في حال النعم من خلال تدبّر السرد القرآني لهذه القصة بما تحمله ألفاظها من دلالات عميقة، وبينّا الآفات التي تعرض لها وخطرها وكيفية علاجها، فهل يمكن أن يقول أحدٌ مُنصِف أنّ هذه قصة حدثَت في وقتٍ ما وانتهت؟! أم أنه يمكن إسقاطها على واقع آخر؟!

الجواب بداهةً: أن هذه القصة وإنْ كانت حدثَت في الماضي، إلا أنها تحدث في الحاضر، وستحدث في المستقبل؛ ولكن بتفاصيل مختلفة.

ولهذا انتقد أهل العلم بعض من يبذلون وقتًا في محاولة معرفة هذين الرجلين وفي أيّ عصر كانَا.

يقول السعدي في تفسيره: «وليس معرفة هذين الرجلين وفي أيّ زمان أو مكان هما فيه فائدة أو نتيجة، فالنتيجة تحصل من قصتهما فقط، والتعرض لما سوى ذلك من التكلّف!»[2].

أي: إنّ الفائدة حصلَت بالفعل من مجرد ذِكْر القصة؛ فيمكننا أن نقول مثلًا قصة شبيهة في واقع مجتمع بدويّ: واضرب للناس مثلًا رجلين جعل الله لأحدهما مئات من الإبل وآلاف من الأبقار وعشرات الآلاف من الأغنام أو أيّ نعم أخرى تميّز هذا المنعَم عليه عن باقي الناس.

هل ستختلف القناعات والأفكار إذا كان الرجل بنفس نفسية صاحب الجنتين؟!

ولو أردنا أن نسقطها على العصر الحديث، فنقول مثلًا: واضرب لهم مثلًا رجلين جعلنا لأحدهما مليارات من الدولارات وطائرات خاصة و(يُخوتًا) وقصورًا و...، أو غير ذلك من النعم التي تميّزه عن باقي الناس في عصرنا. هل سيختلف الأمر كثيرًا إذا كان المنعَم عليه بنفس نفسيّة صاحب الجنتين؟!

سيحدث نفس الأمر تمامًا، سيتكبّر ثم يتفاخر ثم سيشعر بالاستحقاق وينسب الفضل لنفسه، وإذا ما استرسل في الأمر سيكفر بيوم الحساب!

واللبيب المتدبّر لن يُسقِط ما جاء في قصة صاحب الجنتين على نعمة المال فقط، بل يمكن إسقاطها على غيرها من النعم، فالمقصود الأعمّ أن النفس البشرية تُدفَع دفعًا لهذه الآفات النفسية التي سبق ذكرها في حال النعم سواء كانت النعمة بالمال أو بالسلطة أو بالشهرة أو غير ذلك، ولا ينجو من هذه الآفات إلّا مَن عصمه الله وجاهد نفسَه التي تدعوه إلى الطغيان في حال الغنى أو النعم عمومًا، كما قال تعالى: ﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى﴾ [العلق: 6- 7].

اللهم لا تشغلنا بما خلقتَه مِن أجلِنا عمّا خلقْتَنا من أجلِه: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56].

الخاتمة:

النفس في حال النعمة تعرض لها آفات نفسية كثيرة تقعد بها عن التزام الحق وتُردِيها في المهالك، وقد عرضنا في هذا المقال لهذه الآفات من خلال استعراضنا لقصة صاحب الجنتين فبينّا الآفات في ضوء القصة وخطرها وكيفية التخلّص منها.

هذا، وإنّ النفس البشرية ذات طبيعة ثابتة منذ أبِينا آدم إلى آخر إنسان تُقام عليه الساعة، والله في القرآن يخاطب الإنسان من حيث هو إنسان. وفي قصص القرآن عِبر وعظات كثيرة تساعدنا في فهم حقيقة النفس، ومَن تدبّر قصة صاحب الجنتين في سورة الكهف ورأى الآفات النفسية التي تُدفع لها النفس في حال النعم عَلِمَ ذلك وتيقّن منه، وعَلِمَ كذلك كيف يمكن علاج هذه الآفات النفسية في حال النعم.

 

[1] تفسير البغوي - طيبة (5/ 171).

[2] تفسير السعدي، ص476.

الكاتب

إبراهيم لبيب

حاصل على ليسانس الآداب - جامعة القاهرة، وله عدد من المشاركات العلمية.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))