مرصد تفسير للدراسات القرآنية
الواقع والآفاق

أطلق مركز تفسير منذ مدة موقع (مرصد تفسير للدراسات القرآنية)، يسعى هذا الحوار مع أ.د/ عبد الرحمن الشهري إلى تسليط الضوء على هذا المرصد، والدوافع لإطلاقه، والتعريف بالمجالات التي ‏يسعى لخدمتها، وأبرز نتاج المرصد وحصاده، مع تناول الآفاق التي يسعى مركز تفسير لتحقيقها ‏من خلال مرصد تفسير، وذلك بعد أسئلة تمهيدية حول فكرة المراصد العلمية بصفة عامة ‏وأهميتها.‏

  تُعَدّ المراصد العلمية في المجالات المعرفية من الأدوات الحديثة المهمّة للباحثين والمتخصّصين والمهتمين بتطوير هذه المجالات والارتقاء بها، وقد أطلق مركز تفسير للدراسات القرآنية منذ عامين (مرصد تفسير للدراسات القرآنية)، هذا المرصد الذي اعتنى بتسليط الضوء على واقع الدراسات القرآنية في عدد من المناح، من خلال عديد من التقارير العلمية التي نُشرتْ تباعًا على مختلف أقسام المرصد.

وهذا الحوار مع أ.د/ عبد الرحمن الشهري -المدير العام لمركز تفسير- نحاول فيه أن نتعرّف على تجربة مرصد تفسير، والدوافع لإطلاق هذا المرصد، والتعريف بالمجالات التي يسعى لخدمتها، وأبرز نتاجه وحصاده، مع تناول الآفاق التي يسعى مركز تفسير لتحقيقها من خلال مرصد تفسير، وذلك بعد أسئلة تمهيدية حول فكرة المراصد العلمية بصفة عامة وأهميتها.

أسئلة تمهيدية:

س1: تتنوّع مجالات خدمة العلوم، خاصّة مع انفتاح فضاء الشبكة العنكبوتية، ومن هذه المجالات إنشاء المراصد العلمية، فنودّ منكم ابتداءً لو تحدثوننا عن المراصد وأهميتها في مجالات العلوم بصفة عامّة، وفي العلوم الشرعية بصفة خاصّة.

أ.د/ عبد الرحمن الشهري:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: فإنّ المراصد في المجالات المعرفية تُعْنَى بتتبّع الواقع المعرفي القائم لهذه المجالات قديمًا وحديثًا من جوانب مختلفة، وتجتهد في رصد هذا الواقع وجمع البيانات المتعلّقة به وتحويلها لمعرفة تكشفُ واقع المجالات وتفيد الدارِسين فيها، وتمكّن المخطِّطين وصنّاع القرارات من بناء إستراتيجيات التحسين والتجويد وتلافِي الإشكالات القائمة في الواقع واستشراف المستقبل وغير ذلك، ومن ثم فقد لقيت اهتمامًا في الفترة الأخيرة من قِبل المراكز والمؤسسات المهتمة بتطوير المجالات المعرفية والنهوض بواقعها.

ولا شك أنّ فكرة المراصد من الأهمية بمكان في العلوم الشرعية بشكلٍ خاصّ، فهذه العلوم وُجِدَ فيها تراكم ضخم جدًّا مع الليالي والأيام، بالإضافة إلى النشاط الواسع للحركة العلمية في زماننا المعاصر، وثورة التواصل بشكلٍ غير مسبوق، وكلّ هذا -لا شك- بحاجة إلى تتبع ورصد للوقوف على ما فيه من جوانب قوة فيُعتنى بها، وجوانب ضعف فيتمّ تلاشيها وتسديد ثغراتها.

ومما يؤسَف له أنّ هذه الفكرة لم تنتشر بعدُ بالصورة المطلوبة في المجالات الشرعية، فلا نكاد نسمع عن إنشاء مرصد لعلم شرعي معيّن، ونأمل أن يستفيد المتخصِّصون في مختلف العلوم الشرعية من هذه الفكرة وهي (مرصد تفسير)، وأن تنطلق مراصد عديدة في كافة العلوم الشرعية حتى يمكن تطويرها وخدمتها على الوجه المطلوب.

س2: يُعَدّ (مرصد تفسير) إحدى مبادرات مركز تفسير، وأحد الأعمال النوعية على الشبكة العنكبوتية في خدمة الدراسات القرآنية. كيف نشأت فكرة (مرصد تفسير)؟ وبم تختلف هذه الفكرة عن الموقع القائم بالفعل لمركز تفسير؟

أ.د/ عبد الرحمن الشهري:

كانت نشأة (مرصد تفسير) انطلاقًا من هذه الحاجة القائمة لإطلاق منصّة تُعنى بالجمع والرصد لِما يتعلق بالواقع العلمي الخاصّ بالدراسات القرآنية، وقد بدأت الفكرة في بداية الأمر بالرغبة في إنشاء صحيفة إلكترونية إخبارية تُعْنَى برصد أخبار أنشطة المؤسّسات القرآنية في العالم إبان نشاط الصحف الإلكترونية مثل (سبق) وغيرها، ثم تغير الاتجاه ليكون العناية بإنشاء قاعدة بيانات موسعة لِما يتعلّق بالدراسات القرآنية من الأوعية والأنشطة، وكانت فكرة المرصد موجهةً بصورة مركّزة في هذا الجانب، غير أننا مع الوقت وإعادة التفكير تطوّرت معنا الفكرة ورَأَيْنا أنّ فكرة المرصد حَرِيةٌ باختصاصها بموقع مستقلّ، ورأينا أن تقوم فكرة مرصد تفسير على رصد واقع التخصّص نفسه من جوانب متعدّدة، ومن ثم قُمنا بضبط هذه الجوانب وتحريرها وأطلقنا موقع المرصد وَفق هيكلة معينة تقوم على هذه الجوانب وخدمتها، وجعلنا قواعد بيانات المعلومات القرآنية في موقع خاصّ وقد أطلقناها أيضًا مؤخرًا بحمد الله تعالى باسم: (قاعدة تفسير للمعلومات القرآنية)، وبذلك ظهرتْ فكرة المرصد للنور بحمد الله تعالى.

أمّا فيما يتعلّق بالفرق بين مرصد تفسير والموقع القائم بالفعل لمركز تفسير؛ فإنّ مرصد تفسير وموقع تفسير كجناحَي الطائر، كلٌّ منهما يقوم بمهمّةٍ لا يُستغنى عنها؛ فموقع تفسير يهدف إلى عدد من الأمور يُمكن إجمالها في: خلق فضاء معرفي مؤصّل للدراسات القرآنية على شبكة الإنترنت، وإثراء ساحة البحث في الدراسات القرآنية بالعديد من المضامين المعرفية ذات التميّز والريادة، وتنمية وعي الباحثين بمستجدّات الدراسات القرآنية وتطوّراتها[1].

وأمّا مرصد تفسير فيختصّ بالرّصد والمتابعة المستمرة للواقع المعرفي والبحثي والمؤسّسي للدراسات القرآنية، ويطرح مجموعةً من التقارير التي تلاحق هذا الواقع في ماضيه وحاضره وتحوّله لمعرفةٍ علميةٍ ورقميةٍ تسهم في كشف هذا الواقع وتجليته والتمكّن من رسم مخطّطات تطويره والنهوض به واستشراف مستقبله.

فالموقع فضاء للنشر البحثي للمتخصصين في مجال الدراسات القرآنية، وطرح محتويات علمية تفيد في التراكم العلمي، أما المرصد فينظر للتخصّص ككل نظرةً شموليةً ويعرّف به ويقدّم تقارير متنوعة تفيد في تسليط الضوء على الواقع القائم والحاصل فيه وكيفيات تطويره.

***

س3: في ضوء ما تحدّثتم عن فكرة المراصد، وأهميتها في العلوم، ما أسباب أهمية مرصد تفسير بشكلٍ خاصّ في تخصّص الدراسات القرآنية؟

أ.د/ عبد الرحمن الشهري:

نسعى من خلال مرصد تفسير إلى سدّ ثغرة علمية مهمّة لدى الباحثين والمهتمّين بحقل الدراسات القرآنية والارتقاء به وتطويره، ونحسب أنّ مثل هذا العمل له أهمية كبيرة في تخصّص الدراسات القرآنية؛ وذلك لعدد من الأسباب:

- أولًا: عدم وجود جهات علمية تُعْنَى بالقراءة الدائمة لواقع الدراسات القرآنية وتهتم برفع مؤشّرات بصورة مطَّردة حول هذا الواقع ومستجدّاته على كافة الأصعدة وبيان ما له وما عليه، ومسالك تطويره والارتقاء به.

- ثانيًا: عدم وجود آليات وأدوات تُعْنَى بالمتابعة الدائمة لجهود المراكز والمؤسّسات في الدراسات القرآنية وتهتم بطرح الرؤى التقويمية المتتابعة للأعمال، ورسم أُطُر التعاون والتكامل في خدمة التخصّص.

- ثالثًا: عدم وجود أدوات تُعْنَى بالرصد الدائم للنتاج العلمي في الدراسات القرآنية، وتهتم برسم مساراته واتجاهاته وآفاقه وطَرْح التوصيات العلمية المرتّبة في ذلك والتقارير الإستراتيجية التي تحقّق تكاملية الجهود.

- رابعًا: ديناميكية النتاج العلمي في الدراسات القرآنية وتعرّضه المستمر لعمليات النمو في بعض نواحيه المعرفية أو التقلّص، والازدهار في بعض مساراته الفكرية أو الانحسار، فضلًا عن العلاقات داخل النتاج وما يعتريها من تطوّرات ونقلات فكرية وانقطاعات... إلى آخر ذلك مما يحتاج لرصد دائم حتى يمكن التبصُّر بسلبياته وإيجابياته ورسم مسارات توجيهه.

- خامسًا: كثرة المناشط المعرفية في التخصّص وتنوّعها وحاجتها للمتابعة الدائمة، ومعرفة جهودها وتقويمها.

س4: يضم (مرصد تفسير) عددًا من الأقسام، فلو تسلّطون لنا الضوء على هذه الأقسام، وكيف تم بناؤها؟

أ.د/ عبد الرحمن الشهري:

في الحقيقة هذا سؤال مهمّ، وحتى يتضح الأمر سأحاول تسليط الضوء على الهيكلة كنسق عام، ثم كلّ نافذة من نوافذ المرصد وبيان مهمتها ضمن هذه الهيكلة:

بدايةً هناك النظرة للتخصّص نفسه وكيف تنظر لمختلف تفاصيله وترجعها لقضايا رئيسة، بحيث يسهل التعاطي معها في العمل الرصدي، وهو ما تحرّر عندنا في وجود قضايا علمية في التخصّص وهي أمر رئيس كما هو بيّن، وهناك الإصدارات والتآليف، وهناك المؤسسات العاملة في التخصّص والخادمة له، وهناك أمور أخرى كالشخصيات العلمية في التخصّص والمشاريع العلمية المتميزة، وغير ذلك.

وفي ضوء هذا النظر للواقع القائم في التخصّص ضبطنا الهيكلة العامة للمرصد، وأضفنا لها كذلك قسمًا للّقاءات العلمية التي سيقوم المرصد بعقدها، وكذلك قسم النشرات الذي يطرح فيه المرصد نشرات مختلفة عن التقارير التي يقدّمها وجديد الإصدارات وغير ذلك من الأمور.

هذا على مستوى النظرة الكلية لهيكلة المرصد، وأمّا الأقسام نفسها فبيانها كالآتي:

لدينا قسم (قضايا ومعالجات)، وهو يهتم بالقضايا العلمية في التخصّص، ويتفرّع عنه ثلاث نوافذ فرعية؛ الأولى تُعنى برصد القضايا المتعلّقة بالدراسات القرآنية وكذلك تسليط الضوء على المعالجات الحاصلة لهذه القضايا، والثانية تُعنى برصد التوجّهات القائمة في قضايا الدراسات القرآنية وبيان هذه التوجّهات وتسليط الضوء عليها لتبرز للمتخصّصين، وتُعنى الثالثة برصد الآراء العلمية في القضايا وحاصل الاجتهادات التي يقدّمها الدارِسون في هذه القضايا حتى تكون محلّ عناية ونظر من قِبَل المتخصِّصين.

وبعد قسم القضايا لدينا قسم (كتب ومصنفات)، وهو يعتني بتسليط الضوء على التآليف في التخصّص، ويتفرّع عنه ثلاث نوافذ فرعية كذلك؛ الأولى تُعنى بعمل ببليوغرافيا وفهارس للمؤلَّفات في الدراسات القرآنية، والثانية تُعنى بطرح تقارير تعريفية بأبرز وأهم الكتب والمؤلّفات في الدراسات القرآنية، وجاءت النافذة الثالثة باسم (أخرى) لطرح تقارير تعريفية أخرى مما لا يندرج تحت الفرعين الأوّلين؛ كالحديث عن عدد من المؤلَّفات في اتجاه معيّن وتقديم بعض النظرات التعريفية بها، وغير ذلك.

وهناك قسم (مراكز ومؤسّسات)، ويعتني بطرح تقارير تعريفية بالمراكز والمؤسّسات الخادمة للتخصّص، وبه نافذتان؛ الأولى خاصّة برصد المراكز البحثية والتعريف بها وتوصيف أنشطتها في مجال الدراسات القرآنية، والنافذة الثانية خاصّة برصد المؤسّسات العلمية التي تقدّم نوعًا من الخدمة في مجال الدراسات القرآنية كالجامعات والمعاهد وغيرها.

وهناك قسم (منوّعات)، ويعتني بطرح تقارير رصدية في عدّة مناحٍ، وبه أربع نوافذ فرعية، الأولى خاصّة برصد المبادرات المتعلّقة بالدراسات القرآنية كالمؤتمرات والندوات وورش العمل وغيرها، والنافذة الثانية خاصة برصد أبرز الشخصيات التراثية والمعاصرة في مجال الدراسات القرآنية والتعريف بهم وبجهودهم في هذا المجال، والنافذة الثالثة خاصّة برصد مقرّرات الدراسات القرآنية، وتأتي النافذة الفرعية الرابعة باسم (أخرى) لتشتمل على المنوّعات التي لا تندرج تحت النوافذ الثلاث المذكورة.

وهناك قسم (لقاءات علمية)، ويُعنى بطرح لقاءات علمية معيّنة وندوات حول قضايا علمية مما يرى المرصد أهميتها، وهذا القسم لما تنطلق فيه الأعمال بعد، ومن المرجوّ خلال الفترة القادمة أن يحظى ببعض النشاطات واللقاءات المتنوّعة بإذن الله تعالى.

وأخيرًا، هناك قسم (نشرات) ويهتم بطرح نشرات دورية مختلفة بعضها لمتابعة منشورات المرصد نفسه وحصاده، وكذلك متابعة أحدث الإصدارات في الدراسات القرآنية، وغير ذلك.

س5: من وجهة نظركم ما الشريحة المستهدفة التي يمكن أن تستفيد من المطروح على (مرصد تفسير)؟ وما مجالات الاستفادة التي ترَون إمكان تحقّقها في ضوء رؤيتكم وأهدافكم من إنشاء المرصد؟

 أ.د/ عبد الرحمن الشهري:

مرصد تفسير موقع تخصّصي بالأساس ويخدم شرائح مختلفة يجمعها الطابع العلمي لا الجماهيري، ولا غرو فالمراصد في ضوء طبيعتها تهدف لملاحقة الواقع الخاصّ بالتخصّصات وتقدّم ما يفيد في تطوير الواقع، وهذه أمور ترجع بالأصالة لقطاع المتخصّصين والمهتمين بتطوير المجال.

أمّا عن مجالات الاستفادة التي يمكن تحقّقها من إنشاء المرصد فهي في الحقيقة كثيرة جدًّا، وسأذكر بعضًا منها؛ فمن ذلك:

أولًا: يطرح المرصد حزمة من الخدمات النوعية لشرائح وقطاعات متنوّعة في مجال الدراسات القرآنية؛ أبرزها:

قطاع الباحثين والدارسين: ويعمل المرصد على:

- تزويدهم بتقارير علمية دقيقة حول النتاج العلمي ليفيدوا منها في تطوير بحوثهم.

- تزويدهم بالمسارات البحثية المهمّة في التخصّص وتوجيههم إليها.

- تزويدهم بأعمال علمية مركّزة تيسّر لهم حسن الممارسة البحثية وتجاوز الإشكالات.

- تزويدهم بمسارات علمية وموضوعات يعملون من خلالها ويوظّفون جهدهم البحثي فيها.

- إطلاعهم على جديد الدراسات وأهمّ الأعمال العلمية في التخصّص.

- إطلاعهم على مختلف المناشط والفعاليات العلمية التي يمكنهم الإفادة منها في التخصّص.

- تزويدهم بنشرات دورية عن جديد المؤلَّفات في التخصّص.

- إطلاعهم على أبرز الشخصيات المؤثِّرة في مجال الدراسات القرآنية وتعريفهم بجهودهم في هذا المجال.

- تعريفهم بالمراكز والمؤسّسات البحثية الخادمة للمجال.

- تبصيرهم بجديد الآراء والاجتهادات البحثية في مختلف القضايا العلمية؛ ليكونوا على معرفة ووعي بها.

قطاع المراكز والهيئات والمؤسّسات: ويعمل المرصد على تزويدهم بـ:

- تقارير حالة عن الواقع التعليمي للدراسات القرآنية تسهم في تطوير عملية التعليم.

- تقارير حالة عن المناهج تسهم في تطويرها والارتقاء بها.

- تقارير إستراتيجية عن آفاق النهوض بالمسارات المعرفية في التخصّص تسهم في رسم مسارات التطوير.

- تقارير إستراتيجية دورية عن المراكز والمؤسّسات وكيفيات تفعيل دورها والارتقاء بمسالك اشتغالها في خدمة التخصّص.

ثانيًا: يمكّن المرصد عبر ما يطرحه من تقارير من رسم إستراتيجيات النهوض العلمي في الدراسات القرآنية وبلورة آفاق البحث مما يُعِين على خلق تكاملية في الجهود بين الدارسين والمؤسّسات في خدمة التخصّص والارتقاء به.

ثالثًا: يمكّن المرصد عبر ما يطرحه من تقارير الإسهام في رفع واقع المستوى التعليمي للدراسات القرآنية وتطويره.

رابعًا: توجيه الجهود المبذولة في خدمة التخصّص بصورة عامة وبيان أولويات الحركة وأهمّ مساراتها ومجالاتها.

خامسًا: توجيه التوصيات الدورية في مختلف مجالات التخصّص ما يسهم في تلافي الإشكالات وتحقيق التطوير المنشود. 

س6: من الأعمال اللافتة على المرصد سلسلة (المفسِّرون والتفسير في القرن الأول)، فلو تفضّلتم بإلقاء الضوء على هذه السلسلة.

أ.د/ عبد الرحمن الشهري:

هذا العمل من الأعمال المهمّة جدًّا، وهي سلسلة نسألُ اللهَ لها التمام والكمال على أحسن وجه وأتمّه، وهذه السلسلة تُعنى برصد المفسِّرين من السَّلَف وبيان الإحصائيات التي تتعلّق بمروياتهم، وأبرز ملامحه ورواته والدراسات والجهود حولها، وقد كَمُل بحمد الله تعالى من هذه السلسلة طبقة الصحابة رضوان الله عليهم، جاءت على صورة تقارير مفردة حول الجهود التفسيرية للصحابة، انتظمَتْ في نمطين؛ الأول: يهتم بالتعريف بالمفسِّرين من الصحابة، فيذكر طرفًا من سيرهم وحياتهم ويبيّن طبقاتهم العلمية في التفسير والجهود العلمية التي قامت حول شخصياتهم، وبلغتْ أعداد التقارير المنشورة في هذا النمط (8) تقارير حول ثمانية من الصحابة وهم[2]: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن مسعود، وعليّ بن أبي طالب، وعبد الله بن عمر، وأبو هريرة، وأم المؤمنين عائشة، وعمر بن الخطاب، وأُبَيّ بن كعب.

والنمط الثاني: تقارير تسلّط الضوء على مرويات الصحابة التفسيرية، فتبين أعداد هذه المرويات ورواتها وأهم ملامحها المنهجية وترصد الجهود العلمية التي قامت حولها، وبلغت التقارير المنشورة في هذا النمط (9) تقارير حول تفسير ثمانية من الصحابة وهم الثمانية المذكورون سابقًا بالإضافة إلى تفسير الصحابة الذين رُوي عن كلٍّ منهم أقلّ من مائة رواية وعددهم (131) صحابيًّا[3].

إنّ أهمية تسليط الضوء على تفسير الصحابة بالطريقة التي قامتْ بها هذه السلسلة ترجع لخصوصية هذا التفسير وأنه يمثّل بدايات العمل التفسيري، ومن المهم أن ينتبه له الدارسون ويتعرّفوا على طبيعة مفهوم التفسير فيه، وغير ذلك من القضايا المهمّة التي أثارتها التقارير والتي تُعِين على ضبط النظر في كثير من الأمور الخاصّة بالتفسير والتعامل معه.

وقد طرحت تقارير هذه السلسلة -لا سيما تقريرها الختامي[4]- جملةً من التعليقات النقدية والتقويمية حول أمور مهمّة كإحصاء مرويات تفسير الصحابة، وبيّنت بعض الإشكالات، وفتحت الباب أمام النقاط التي لا تزال بحاجة لمزيد جهود من الباحثين، ونبّهت على عدد من المشروعات العلمية التي يمكن أن يقوم بها الباحثون في خدمة هذا التفسير. وأحسب هذه التقارير مفيدةً للباحثين في الماجستير والدكتوراه ليبنوا عليها دراساتهم وبحوثهم وإكمال النقص الذي تبرزه هذه التقارير في واقع البحث العلمي في التخصّص.

س7: من السلاسل التي بدأت على (مرصد تفسير) ولم تتم بعد (التفاسير في القرن الرابع عشر)، فنودّ منكم تعريفًا موجزًا بهذه السلسلة، والجهد العلمي فيها؟

أ.د/ عبد الرحمن الشهري:

هذه سلسلة مهمّة كذلك، وهي تُعْنَى بالتعريف بكتب التفسير عبر القرون من حيث الترجمة لمؤلِّفيها، وبيان طبعاتها ومصادرها وبيان أبرز ملامحها التفسيرية وتصنيفها ببيان موضع اشتغالها التفسيري ضمن خارطة كتب التفسير، وكذلك رصد الجهود العلمية التي قامتْ حولها، وهي سلسلة خطّتها تتضمن تناول كافة كتب التفسير المطبوعة المكتملة، وكان البدء بتفاسير القرن الرابع عشر الهجري باعتباره آخر القرون الهجرية المنقضية، ولعدم نيل كثير من كتب التفسير في هذا القرن حظّها من الدراسة بعد، وسيليه العمل على قرون أخرى بمشيئة الله سبحانه وتعالى.

لقد قامتْ في التخصّص بعض الجهود العلمية الجيدة، ومن ذلك الجهد هذا التصنيف الجديد للتفاسير الذي اقترحه الباحث الدكتور/ خليل محمود اليماني، حيث صنّف التفاسير في ضوء معيار معيّن هو معيار المعنى، وبحسَب موقف التفاسير منه أقام التصنيف، فهناك تفاسير محرِّرة للمعنى وأخرى جامعة. وهكذا، وبطبيعة الحال فإنّ هذا أفضل من وجهة نظرنا منهجيًّا من التصنيف القائم للتفاسير لكتب رأي ومأثور، وغير ذلك، وعليه قُمنا في هذه السلسلة حول تفاسير القرن الرابع عشر بتصنيف التفاسير تبعًا لذلك، بحيث يروج هذا التصنيف ويحلّ بديلًا من مسالك التصنيف الأخرى التي بها إشكالات منهجية عديدة، ونرجو من خلال المتابعة في هذه السلسلة أن نقدّم عملًا يستطيع مع الوقت أن يكون موسوعة متكاملة حول التفاسير، فيقدّم خارطة بتصنيفاتها والجهود العلمية حولها، وغير ذلك مما يعِين على خدمة التفاسير وتطوير حركة البحث حولها.

إنّ إعداد هذه التقارير يأخذ جهدًا علميًّا كبيرًا، ويقوم به فريق متخصّص له دراية بالتفاسير وخبرة بواقعها والحكم عليها.

وأنبّه أنه سيكون هناك تقارير علمية تعالج حصاد التآليف في كلّ قرن من القرون وتقدّم بشأنها بعض النظرات والمشروعات العلمية وغير ذلك مما يثري الواقع البحثي حول التفاسير ويوجه لآفاق تطويره والعناية به من جوانب مختلفة، ويفيد الباحثين في بلورة أفكارهم البحثية، وغير ذلك، ونسأل اللهَ تعالى التوفيقَ والتمامَ.

 س8: طرح المرصد تقريرًا استشرافيًّا حول حالة البحث في مسار قواعد التفسير، فلو تسلّطون الضوء إجمالًا على هذا التقرير، وما محلّ الرؤى الاستشرافية تجاه واقع الدراسات القرآنية من (مرصد تفسير) خاصّة وأن أكثر المطروح هي تقارير وصفية؟

أ.د/ عبد الرحمن الشهري:

التقرير الذي أشرتم إليه هو تقرير مهم، خاصّة وأن المركز أصدر دراسةً نقديةً قبلُ حول التأليف المعاصر في قواعد التفسير ومنطلقه في اعتماد القاعدية، وكنّا قد عقدنا ملفًّا بحثيًّا على موقعنا (موقع تفسير) حول الكتابة في قواعد التفسير وأصوله وَفق محاور معينة، ولاحظنا في الكتابات خلافات واضحة في منطلقات الباحثين للنظر لقواعد التفسير، وعليه قُمْنَا بإعداد التقرير ليسلّط الضوء على الخلافات الجذرية في هذا المجال بين الباحثين وينبّه عليها ويلفت الأنظار إليها، حتى تكون محلّ عناية من الباحثين في بحوثهم والمهتمين بهذا الميدان وتطويره، لتعذّر استمرار هذا المسار البحثي المهمّ بدون البتّ في هذه الخلافات وحلّها، بحيث تندفع البحوث في هذا المسار المهمّ وَفق وجهة محدّدة تعين على تحقيق الغايات المتوخّاة من ورائه.

وأمّا ضعف حضور أمثال هذه الرؤى والتقارير الاستشرافية بكثرة على المرصد، فهذه ملاحظة مهمة جدًّا، ففي الواقع لا يزال مرصد تفسير في بداياته، ولم تمضِ سوى سنتين على انطلاقه، ولا شك أنّ هذه مدة يسيرة جدًّا في حياة المراصد العلمية، غير أنني أودّ لفت النظر هاهنا لأمرين:

أولًا: استكتب المرصد عددًا من الباحثين وقدّم من خلالهم عددًا مهمًّا من التقارير النوعية حول بعض مسارات التخصّص، وهذه تقارير حَرِيّة بالانتباه الكبير لها؛ لكونها تعالج مسارات معينة في التخصّص وتطرح بشأنها بعض النقد وتقترح تطويرات، وبعضها يُغلّط المسار ويبيّن أنه بحاجة لمراجعات جذرية، ومن ذلك: منهج تفسير القرآن بالقرآن: رصد لمرتكزات المنهج وجذوره، وتقويم لمنطلقاته وغاياته. التأليف في المتشابه اللفظي: المظانّ، والأوعية، وتقويم توجّهات الاشتغال البحثي المعاصر. وغير ذلك من التقارير المهمة الحَرِيّة بأن تكون محلّ عناية من الدارِسين والمهتمّين، وهي اجتهادات بحثية من الباحثين الذين يُعِدُّون هذه التقارير أدعو الزملاء الباحثين للعناية بها ومناقشتها لإثراء البحث العلمي.

ثانيًا: الواقع البحثي في التخصّص يعاني من شتات كبير، وليس له قواعد بيانات ضابطة تمكّن من العمل عليه بشكلٍ مباشرٍ، وعليه لا يزال المرصد يُعْنَى في كثير من تقاريره بالرصد والتوصيف والتحليل للواقع المعرفي والتعليمي والمؤسّسي وغير ذلك مما أشرنا إليه فيما يتعلّق بكافة جوانب الدراسات القرآنية، وهذا التوصيف للواقع يعدّ خدمة كبيرة من حيث هو في ضوء إشكال شتات الواقع الذي ذكرنا، كما أنّ هذا التوصيف للواقع هو بوابة إعداد التقارير الاستشرافية، فبدون فهم هذا الواقع وتوصيفه لا يمكن استشراف مستقبله؛ لذا نهتم بطرح أمثال هذه التقارير الوصفية لأنها خدمة في ذاتها، ونعتمد عليها في تحسين الوعي بالواقع ومعرفته ومعرفة إشكالاته في مختلف الجوانب، بحيث يكون ذلك نواة الإعداد للتقارير الاستشرافية لاحقًا، وبإذن الله تعالى يظهر مع الوقت بروز أكثر للتقارير التي تحمل رؤى استشرافية لواقع الدراسات القرآنية في ضوء ما تراكم من معطيات ومؤشّرات حول قراءة واقعها، ونسأل اللهَ الإعانة التوفيق والسداد.

س9: ما أبرز التطلّعات التي تصبون إليها في مرصد تفسير؟

أ.د/ عبد الرحمن الشهري:

يستهدف المرصد الإمساك بواقع الدراسات القرآنية من زوايا مختلفة وتحويل هذا الواقع لبيانات يسهل توجيهها واستشراف مستقبل هذا الواقع من خلالها، وبطبيعة الحال فنحن نرجو أن يوفّقنا اللهُ تعالى لتحقيق هذا الهدف، وأن نقدّم من خلال المرصد تقارير تُعين على الإسهام في تثوير النظر لواقع الدراسات القرآنية والإشكالات الحافّة به، وكذا طرح وبلورة الأفكار التي تفيد في تطوير هذا الواقع والارتقاء به من مناحٍ مختلفة، ومما نطمح إليه أن نقدّم تقريرًا استشرافيًّا حول تفاسير القرن الرابع عشر الهجري، وأن نتابع العمل على مختلف التآليف التفسيرية في مختلف القرون ونقدّم بشأنها تقارير استشرافية موسّعة كذلك.

وأيضًا نطمح لتقديم تقارير استشرافية حول المؤسّسات والمراكز البحثية الخاصّة بالدراسات القرآنية، وغير ذلك الكثير مما يتّصل بواقع الدراسات القرآنية.

وكذلك نطمح لعمل ندوات بحثية خاصّة بالمرصد تناقش بعض القضايا العلمية التي يرى المرصد أهميتها ويقدّم بشأنها تقاريره، وغير ذلك من الأمور التي نسألُ اللهَ تعالى التوفيق والسداد في النهوض بها في قابل الأيام.

وأخيرًا، فإني أشكر فريق المرصد على جهوده الكبيرة التي يبذلها في إنجاز الأعمال وتدقيقها، وأرجو أن يلتفت الباحثون في الدراسات القرآنية حول العالم لِمَا ينتجه المرصد بعين الاهتمام والنقد والإثراء حتى يثمر الجهد، وينتفع التخصّص بهذا الحراك العلمي الذي يُحدِثه المرصد، والحمد لله ربّ العالمين.

 

 

[1] ينظر الحوار المنشور على موقع تفسير بعنوان: (موقع تفسير وانطلاقته الجديدة) تحت الروابط الآتية:
- tafsir.net/interview/8
- tafsir.net/interview/9

[2] يمكن مطالعة هذه التقارير الثمانية عبر الرابط الآتي: tafsiroqs.com/search?sub_section_id=515

[3] يمكن مطالعة هذه التقارير الثمانية عبر الرابط الآتي: tafsiroqs.com/search?sub_section_id=509

[4] جاء هذا التقرير بعنوان: (تفسير الصحابة؛ إحصاؤه - أهمّ ملامحه المنهجية - طبقات رجاله - واقع الدراسات حوله)، ويمكن مطالعته من خلال الرابط الآتي: tafsiroqs.com/article?article_id=4193

ضيف الحوار :

الدكتور عبد الرحمن بن معاضة الشهري

أستاذ الدراسات القرآنية بجامعة الملك سعود، والمدير العام لمركز تفسير للدراسات القرآنية.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))